@ 294 @ والظاهر عوده على مصابيح . ونسب الرجم إليها ، لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها ، والكواكب قارّ في ملكه على حاله . فالشهاب كقبس يؤخذ من النار ، والنار باقية لا تنقص . والظاهر أن الشياطين هم مسترقو السمع ، وأن الرجم هو حقيقة يرمون بالشهب ، كما تقدم في سورة الحجر وسورة والصافات . وقيل : معنى رجوماً : ظنوناً لشياطين الإنس ، وهم المنجمون ينسبون إلى النجوم أشياء على جهة الظن من جهالهم ، والتمويه والاختلاق من أزكيائهم ، ولهم في ذلك تصانيف تشتمل على خرافات يموهون بها على الملوك وضعفاء العقول ، ويعملون موالد يحكمون فيها بالأشياء لا يصح منها شيء . وقد وقفنا على أشياء من كذبهم في تلك الموالد ، وما يحكونه عن أبي معشر وغيره من شيوخ السوء كذب يغرون به الناس الجهال . وقال قتادة : خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوماً للشياطين ، وليهتدي بها في البر والبحر ؛ فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة . والضمير في لهم عائد على الشياطين . .
وقرأ الجمهور : { عَذَابَ جَهَنَّمَ } برفع الباء ؛ والضحاك والأعرج وأسيد بن أسيد المزني والحسن في رواية هارون عنه : بالنصب عطفاً على { عَذَابِ السَّعِيرِ } ، أي وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم . { إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا } : أي طرحوا ، كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به ، ومثله حصب جهنم ، { سَمِعُواْ لَهَا } : أي لجهنم ، { شَهِيقًا } : أي صوتاً منكراً كصوت الحمار ، تصوت مثل ذلك لشدة توقدها وغليانها . ويحتمل أن يكون على حذف مضاف ، أي سمعوا لأهلها ، كما قال تعالى : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } . { وَهِىَ تَفُورُ } : تغلي بهم غلي المرجل . { تَكَادُ تَمَيَّزُ } : أي ينفصل بعضها من بعض لشدة اضطرابها ، ويقال : فلان يتميز من الغيظ إذا وصفوه بالإفراط في الغضب . وقرأ الجمهور : { تَمَيَّزُ } بتاء واحدة خفيفة ، والبزي يشدّدها ، وطلحة : بتاءين ، وأبو عمرو : بإدغام الدال في التاء ، والضحاك : تمايز على وزن تفاعل ، وأصله تتمايز بتاءين ؛ وزيد بن علي وابن أبي عبلة : تميز من ماز من الغيظ على الكفرة ، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر : % ( في كلب يشتد في جريه % .
يكاد أن يخرج من إهابه .
) % .
.
وقولهم : غضب فلان ، فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا أفرط في الغضب . ويجوز أن يراد من غيظ الزبانية . { كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ } : أي فريق من الكفار ، { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا } : سؤال توبيخ وتقريع ، وهو مما يزيدهم عذاباً إلى عذابهم ، وخزنتها : مالك وأعوانها ، { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ } : ينذركم بهذا اليوم ، { قَالُواْ بَلَى } : اعتراف بمجيء النذر إليهم . قال الزمخشري : اعتراف منهم بعدل الله ، وإقرار بأنه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم فيما وقعوا فيه ، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة ، وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم ، خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده . انتهى ، وهو على طريق المعتزلة . والظاهر أن قوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ كَبِيرٍ } ، من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نذراً إليهم ، أنكروا أولاً أن الله نزل شيئاً ، واستجهلوا ثانياً من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل ، وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة . ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخباراً لهم وتقريعاً بما كانوا عليه في الدنيا . أرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه ، أوسموا عقاب الضلال ضلالاً لما كان ناشئاً عن الضلال . وقال الزمخشري : أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة ، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله . انتهى . فإن كان الخطاب في { إِنْ أَنتُمْ } للرسل ، فقد يراد به الجنس ، ولذلك جاء الخطاب بالجمع . { وَقَالُواْ } : أي للخزنة حين حاوروهم ، { لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ } سماع طالب للحق ، { أَوْ نَعْقِلُ } . عقل متأمل له ، لم نستوجب الخلود في النار . { فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } : أي بتكذيب الرسل ، { فَسُحْقًا } : أي فبعداً لهم ، وهو دعاء عليهم ، والسحق : البعد ، وانتصابه على المصدر : أي سحقهم الله سحقاً ، قال الشاعر :