@ 267 @ ( سقط : الآية كاملة ) .
هذه السورة مدنية ، نزلت في غزوة بني المصطلق ، كانت من عبد الله بن أبيّ بن سلول وأتباعه فيها أقوال ، فنزلت . وسبب نزولها مذكور في قصة طويلة ، من مضمونها : أن اثنين من الصحابة ازدحما على ماء ، وذلك في غزوة بني المصطلق ، فشج أحدهما الآخر ، فدعا المشجوج : يا للأنصار ، والشاج : يا للمهاجرين ، فقال عبد الله بن أبيّ بن سلول : ما حكى الله تعالى عنه من قوله : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ } ، وقوله : { لَيُخْرِجَنَّ الاْعَزُّ مِنْهَا الاْذَلَّ } ، وعنى الأعز نفسه ، وكلاماً قبيحاً . فسمعه زيد بن أرقم ، ونقل ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . فلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عبد الله ، فحلف ما قال شيئاً من ذلك ، فاتهم زيد ، فأنزل الله تعالى { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ } إلى قوله : { لاَّ يَعْلَمُونَ } ، تصديقاً لزيد وتكذيباً لعبد الله بن أبيّ . .
ومناسبة هذه السورة لما قبلها : أنه لما كان سبب الانفضاض عن سماع الخطبة ربما كان حاصلاً عن المنافقين ، واتبعهم ناس كثير من المؤمنين في ذلك ، وذلك لسرورهم بالعير التي قدمت بالميرة ، إذ كان وقت مجاعة ، جاء ذكر المنافقين وما هم عليه من كراهة أهل الإيمان ، وأتبعه بقبائح أفعالهم وقولهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّواْ } ، إذ كانوا هم أصحاب أموال ، والمهاجرون فقراء قد تركوا أموالهم ومتاجرهم وهاجروا لله تعالى . { قَالُواْ نَشْهَدُ } : يجري مجرى اليمين ، ولذلك تلقى بما يتلقى به القسم ، وكذا فعل اليقين . والعلم يجري مجرى القسم بقوله : { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } ، وأصل الشهادة أن يواطىء اللسان القلب هذا بالنطق ، وذلك بالاعتقاد ؛ فأكذبهم الله وفضحهم بقوله : { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } : أي لم تواطىء قلوبهم ألسنتهم على تصديقك ، واعتقادهم أنك غير رسول ، فهم كاذبون عند الله وعند من خبر حالهم ، أو كاذبون عند أنفسهم ، إذ كانوا يعتقدون أن قولهم : { إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } كذب . وجاء بين شهادتهم وتكذيبهم قوله تعالى : { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } ، إيذاناً أن الأمر كما لفظوا به من كونه رسول الله حقاً . ولم تأت هذه الجملة لتوهم أن قولهم هذا كذب ، فوسطت الأمر بينهما ليزول ذلك التوهم . { اتَّخَذْواْ أَيْمَانَهُمْ } : سمى شهادتهم تلك أيماناً . وقرأ الجمهور : أيمانهم ، بفتح الهمزة جمع يمين ؛ والحسن : بكسرها ، مصدر آمن . ولما ذكر أنهم كاذبون ، أتبعهم بموجب كفرهم ، وهو اتخاذ أيمانهم جنة يستترون بها ، ويذبون بها عن أنفسهم وأموالهم ، كما قال بعض الشعراء : % ( وما انتسبوا إلى الإسلام إلا % .
لصون دمائهم أن لا تسالا .
) % .
.
ومن أيمانهم أيمان عبد الله ، ومن حلف معه من قومه أنه ما قال ما نقله زيد بن أرقم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، جعلوا تلك الأيمان جنة تقي من القتل ، وقال أعشى همدان : % ( إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة % .
من المال سار القوم كل مسير .
.
) % .
وقال الضحاك : اتخذوا حلفهم بالله أنهم لمنكم . وقال قتادة : كلما ظهر شيء منهم يوجب مؤاخذتهم ، حلفوا كاذبين عصمة لأموالهم ودمائهم . وقال السدي : { جَنَّةُ } من ترك الصلاة عليهم إذا ماتوا ، { فَصَدُّواْ } : أي أعرضوا وصدوا اليهود والمشركين عن الدخول في الإسلام ، { ذالِكَ } أي ذلك الحلف الكاذب والصد المقتضيان لهم سوء العمل بسبب أيمانهم ثم كفرهم . وقال ابن عطية : ذلك إشارة إلى فعل الله بهم في فضيحتهم وتوبيخهم ، ويحتمل أن تكون الإشارة