@ 256 @ مضى وفيما عبر فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وعرفها ، فقال لها : ( وإنك لهند بنت عتبة ) ، قالت : نعم ، فاعف عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك . فقال : { وَلاَ يَزْنِينَ } ، فقالت : أوتزني الحرة ؟ قال : { وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلْادَهُنَّ } ، فقالت : ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً ، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر ، فضحك عمر رضي الله تعالى عنه حتى استلقى ، وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : { وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهُتَانٍ } ، فقالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ، ولا يأمر الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق . فقال : { وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى مَعْرُوفٍ } ، فقالت : والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء . ومعنى قول هند : أو تزني الحرة أنه كان في قريش في الإماء غالباً ، وإلا فالبغايا ذوات الربات قد كن حرائر . وقرأعليّ والحسن والسلمي : ولا يقتلن مشدداً ، وقتلهن من أجل الفقر والفاقة ، وكانت العرب تفعل ذلك . والبهتان ، قال الأكثرون : أن تنسب إلى زوجها ولداً ليس منه ، وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هو ولدي منك . { بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } : لأن بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين ، وفرجها الذي تلده به بين الرجلين . وروى الضحاك : البهتان : العضة ، لأنها إذا قذفت المرأة غيرها ، فقد بهتت ما بين يدي المقذوفة ورجليها ، إذ نفت عنها ولداً قد ولدته ، أو ألحقت بها ولداً لم تلده . وقيل : البهتان : السحر . وقيل : بين أيديهن ألسنتهن بالنميمة ، وأرجلهن ؛ فروجهن . وقيل : بين أيديهن قبله أو جسة ، وأرجلهن الجماع . ومن البهتان الفرية بالقول على أحد من الناس ، والكذب فيما اؤتمنّ عليه من حمل وحيض ، والمعروف الذي نهى عن العصيان فيه ، قال ابن عباس وأنس وزيد بن أسلم : هو النوح وشق الجيوب ووشم الوجوه ووصل الشعر ، وغير ذلك من أوامر الشريعة فرضها وندبها . وروي أن قوماً من فقراء المسلمين كانوا يواصلون اليهود ليصيبوا من ثمارهم ، فقيل لهم : لا تتولوا قوماً مغضوباً عليهم وعلى أنهم اليهود ، فسرهم الحسن وابن زيد ومنذر بن سعيد ، لأن غضب الله قد صار عرفاً لهم . وقال ابن عباس : كفار قريش ، لأن كل كافر عليه غضب من الله . وقيل : اليهود والنصارى . .
{ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الاْخِرَةِ } ، قال ابن عباس : من خيرها وثوابها . والظاهر أن من في { مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ } لابتداء الغاية ، أي لقاء أصحاب القبور . فمن الثانية كالأولى من الآخرة . فالمعنى أنهم لا يلقونهم في دار الدنيا بعد موتهم . وقال ابن عرفة : هم الذين قالوا : ما يهلكنا إلا الدهر . انتهى . والكفار على هذا كفار مكة ، لأنهم إذا مات لهم حميم قالوا : هذا آخر العهد به ، لن يبعث أبداً ، وهذا تأويل ابن عباس وقتادة والحسن . وقيل : من لبيان الجنس ، أي الكفار الذين هم أصحاب القبور ، والمأيوس منه محذوف ، أي كما يئس الكفار المقبورون من رحمة الله ، لأنه إذا كان حياً لم يقبر ، كان يرجى له أن لا ييأس من رحمة الله ، إذ هو متوقع إيمانه ، وهذا تأويل مجاهد وابن جبير وابن زيد . وقال ابن عطية : وبيان الجنس أظهر . انتهى . وقد ذكرنا أن الظاهر كون من لابتداء الغاية ، إذ لا يحتاج الكلام إلى تقدير محذوف . وقرأ ابن أبي الزناد : كما يئس الكافر على الإفراد . والجمهور : على الجمع . ولما فتح هذه السورة بالنهي عن اتخاذ الكفار أولياء ، ختمها بمثل ذلك تأكيداً لترك مولاتهم وتنفير المسلمين عن توليهم وإلقاء المودّة إليهم . .