@ 246 @ مقامه ؛ أو سمى المدينة ، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان . وقال ابن عطية : والمعنى تبوؤا الدار مع الإيمان معاً ، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله : { خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ } فتأمله . انتهى . ومعنى { مِن قَبْلِهِمُ } : من قبل هجرتهم ، { حَاجَةً } : أي حسداً ، { مّمَّا أُوتُواْ } : أي مما أعطي المهاجرون ، ونعم الحاجة ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم ) في إعطاء المهاجرين من أموال بني النضير والقرى . .
{ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ } : من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية ، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : ( عجب الله من فعلكما البارحة ) ، فالآية مشيرة إلى ذلك . وروي غير ذلك في إيثارهم . والخصاصة : الفاقة ، مأخوذة من خصاص البيت ، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج : والفتوح ، فكأن حال الفقير هي كذلك ، يتخللها النقص والاحتياج . وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : شح بكسر الشين . والجمهور : بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين ، والشح : اللؤم ، وهو كزازة النفس على ما عندها ، والحرص على المنع . قال الشاعر : % ( يمارس نفساً بين جنبيه كرة % .
إذا همّ بالمعروف قالت له مهلاً .
.
) % .
وأضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها . وقال تعالى : { وَأُحْضِرَتِ الأنفُسُ الشُّحَّ } ، وفي الحديث : ( من أدّى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برىء من الشح ) . { وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } : الظاهر أنه معطوف على ما قبله من المعطوف على المهاجرين . فقال الفراء : هم الفرقة الثالثة من الصحابة ، وهو من آمن أو كفر في آخر مدّة النبي صلى الله عليه وسلم ) . وقال الجمهور : أراد من يجيء من التابعين ، فعلى القول الأول : يكون معنى { مّن بَعْدِهِمْ } : أي من بعد المهاجرين والأنصار السابقين بالإيمان ، وهؤلاء تأخر إيمانهم ، أو سبق إيمانه وتأخرت وفاته حتى انقرض معظم المهاجرين والأنصار . وعلى القول الثاني : يكون معنى { مّن بَعْدِهِمْ } : أي من بعد ممات المهاجرين ، مهاجريهم وأنصارهم . وإذا كان { وَالَّذِينَ } معطوفاً على المجرور قبله ، فالظاهر أنهم مشاركو من تقدّم في حكم الفيء . .
وقال مالك بن أوس : قرأ عمر { وَإِنَّمَا * الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء } الآية ، فقال : هذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم } ، فقال : وهذه لهؤلاء ، ثم قرأ : { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } حتى بلغ { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ } إلى { وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } . ثم قال : لئن عشت لنؤتين الراعي ، وهو يسير نصيبه منها . وعنه أيضاً : أنه استشار المهاجرين والأنصار فيما فتح الله عليه من ذلك في كلام كثير آخره أنه تلا : { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } الآية ، فلما بلغ { أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ } قال : هي لهؤلاء فقط ، وتلا : { وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } الآية ، إلى قوله : { رَءوفٌ رَّحِيمٌ } ؛ ثم قال : ما بقي أحد من أهل الإسلام إلا وقد دخل في ذلك . وقال عمر رضي الله تعالى عنه : لولا من يأتي من آخر الناس ما فتحت قرية إلا قسمتها ، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) خيبر . وقيل : { وَالَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } مقطوع مما قبله ، معطوف عطف الجمل ، لا عطف المفردات ؛ فإعرابه : { وَالَّذِينَ } مبتدأ ، ندبوا بالدعاء للأولين ، والثناء عليهم ، وهم من يجيء بعد الصحابة إلى يوم القيامة ، والخبر { يَقُولُونَ } ، أخبر تعالى عنهم بأنهم لإيمانهم ومحبة أسلافهم { يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوانِنَا } ، وعلى القول الأول يكون { يَقُولُونَ } استئناف إخبار ، قيل : أو حال . .
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُواْ } الآية : نزلت في عبد الله بن أبيّ ، ورفاعة بن التابوت ، وقوم من منافقي الأنصار ، كانوا بعثوا إلى بني النضير بما تضمنته الجمل المحكية بقوله : { يَقُولُونَ } ، واللام في { لإِخْوانِهِمْ } للتبليغ ، والإخوة بينهم إخوة الكفر وموالاتهم ، { وَلاَ