@ 209 @ وأتبعهم بأصحاب الميمنة ، ذكر حال أصحاب المشئمة فقال : { وَأَصْحَابُ الشّمَالِ } ، وتقدّم إعراب نظير هذه الجملة ، وفي هذا الاستفهام تعظيم مصابهم . { فِى سَمُومٍ } : في أشدّ حر ، { وَحَمِيمٍ } : ماء شديد السخونة . { وَظِلّ مّن يَحْمُومٍ } ، قال ابن عباس ومجاهد وأبو مالك وابن زيد والجمهور : دخان . وقال ابن عباس أيضاً : هو سرادق النار المحيط بأهلها ، يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم . وقال ابن كيسان : اليحموم من أسماء جهنم . وقال ابن زيد أيضاً وابن بريدة : هو جبل في النار أسود ، يفزع أهل النار إلى ذراه ، فيجدونه أشد شيء وأمر . { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } : صفتان للظل نفيتا ، سمي ظلاً وإن كان ليس كالظلال ، ونفي عنه برد الظل ونفعه لمن يأوي إليه . { وَلاَ كَرِيمٍ } : تتميم لنفي صفة المدح فيه ، وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عند شدّة الحر ، أو نفي لكرامة من يستروح إليه . ونسب إليه مجازاً ، والمراد هم ، أي يستظلون إليه وهم مهانون . وقد يحتمل المجلس الرديء لنيل الكرامة ، وبدىء أولاً بالوصف الأصلي الذي هو الظل ، وهو كونه من يحموم ، فهو بعض اليحموم . ثم نفى عنه الوصف الذي يبغي له الظل ، وهو كونه لا بارداً ولا كريماً . وقد يجوز أن يكون { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } صفة ليحموم ، ويلزم منه أن يكون الظل موصوفاً بذلك . وقرأ الجمهور : { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } بجرهما ؛ وابن عبلة : برفعهما : أي لا هو بارد ولا كريم ، على حد قوله : .
فأبيت لا حرج ولا محروم .
أي لا أنا حرج . { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } : أي في الدنيا ، { مُتْرَفِينَ } : فيه ذم الترف والتنعم في الدنيا ، والترف طريق إلى البطالة وترك التفكر في العاقبة . { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ } : أي يداومون ويواظبون ، { عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ } ، قال قتادة والضحاك وابن زيد : الشرك ، وهو الظاهر . وقيل : ما تضمنه قوله : { وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } الآية من التكذيب بالبعث . ويبعده : { وَكَانُواْ يِقُولُونَ } ، فإنه معطوف على ما قبله ، والعطف يقتضي التغاير ، فالحنث العظيم : الشرك . فقولهم : { أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ ءابَاؤُنَا الاْوَّلُونَ } : تقدم الكلام عليه في والصافات ، وكرر الزمخشري هنا وهمه فقال : فإن قلت : كيف حسن العطف على المضمر في { لَمَبْعُوثُونَ } من غير تأكيد بنحن ؟ قلت : حسن للفاصل الذي هو الهمزة ، كما حسن في قوله : { مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ ىَابَاؤُنَا } ، الفصل لا المؤكدة للنفي . انتهى . ورددنا عليه هنا وهناك إلى مذهب الجماعة في أنهم لا يقدرون بين همزة الاستفهام وحرف العطف فعلاً في نحو : { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ } ، ولا اسماً في نحو : { أَوَ ءابَاؤُنَا } ، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما ، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف . لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت . .
ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار ، أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ) أن يخبرهم ببعث العالم ، أولهم وآخرهم ، للحساب ، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب . والميقات : ما وقت به الشيء ، أي حد ، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم ، والإضافة بمعنى من ، كخاتم حديد . { ثُمَّ إِنَّكُمْ } : خطاب لكفار قريش ، { أَيُّهَا الضَّالُّونَ } عن الهدى ، { الْمُكَذّبُونَ } للبعث . وخطاب أيضاً لمن جرى مجراهم في ذلك . { لاَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ } : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض ؛ والثانية ، إن كان من زقوم بدلاً ، فمن تحتمل الوجهين ، وإن لم تكن بدلاً ، فهي لبيان الجنس ، أي من شجر الذي هو زقوم . وقرأ الجمهور : من شجر ؛ وعبد الله : من شجرة . { فَمَالِئُونَ مِنْهَا } : الضمير في منها عائد على شجر ، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر ، وعلى قراءة عبد الله ، فهو واضح . .
{ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } ، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر ، كما أنث على المعنى في منها . قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم ، فقد جعل الضميرين للشجرة ، وإنما ذكر الثانى على تأويل الزقوم لأنه يفسرها ، وهي في معناه . وقال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول ، أو على الأكل . انتهى . فلم يجعله عائداً على شجر . وقرأ نافع وعاصم وحمزة : { شُرْبَ } بضم الشين ، وهو مصدر . وقيل : اسم لما يشرب ؛ ومجاهد وأبو عثمان النهدي : بكسرها ، وهو بمعنى المشروب ، اسم لا مصدر ، كالطحن والرعي ؛ والأعرج وابن المسيب وسبيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج وباقي السبعة : بفتحها ، وهو مصدر مقيس . والهيم ، قال ابن عباس ومجاهد