@ 204 @ يتهم به . انتهى . وهذا الذي قاله سبقه إليه أبو الفضل الرازي . قال في كتاب اللوامح : وذو الحال الواقعة والعامل وقعت ، ويجوز أن يكون { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } حال أخرى من الواقعة بتقدير : إذا وقعت صادقة الواقعة ، فهذه ثلاثة أحوال من ذي حال ، وجازت أحوال مختلفة عن واحد ، كما جازت عنه نعوت متضادة وأخبار كثيرة عن مبتدأ واحد . وإذا جعلت هذه كلها أحوالاً ، كان العامل في { إِذَا وَقَعَتِ } محذوفاً يدل عليه الفحوى بتقدير يحاسبون ونحوه . انتهى . وتعداد الأحوال والأخبار فيه خلاف وتفصيل ذكر في النحو ، فليس ذلك مما أجمع عليه النحاة . .
قال الجمهور : القيامة تنفظر له السماء والأرض والجبال ، وتنهد له هذه البنية برفع طائفة من الأجرام وبخفض أخرى ، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب . وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى ، وترفعها لتسمع الأقصى . وقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة : القيامة تخفض أقواماً إلى النار ، وترفع أقواماً إلى الجنة ؛ وأخذ الزمخشري هذه الأقوال على عادته وكساها بعض ألفاظ رائعة ، فقال : ترفع أقواماً وتضع آخرين ، أما وصفاً لها بالشدة ، لأن الواقعات العظام كذلك يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس ؛ وأما أن الأشقياء يحطون إلى الدركات ، والسعداء يحطون إلى الدرجات ؛ وأما أنها تزلزل الأشياء عن مقارها لتخفض بعضاً وترفع بعضاً ، حيث تسقط السماء كسفاً ، وتنتثر الكواكب وتنكدر ، وتسير الجبال فتمر في الجو مر السحاب . انتهى . .
{ إِذَا رُجَّتِ } ، قال ابن عباس : زلزلت وحركت بجذب . وقال أيضاً هو وعكرمة ومجاهد : { * بست } : فتتت ، وقيل : سيرت . وقرأ زيد بن علي : { إِذَا رُجَّتِ } ، و { * بست } مبنياً للفاعل ، { وَإِذَا * رُجَّتِ } بدل من { إِذَا وَقَعَتِ } ، وجواب الشرط عندي ملفوظ به ، وهو قوله : { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ، والمعنى إذا كان كذا وكذا ، فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به ، أي إن سعادتهم وعظم رتبتهم عند الله تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب على العالم . وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة ، أي تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال ، لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض . انتهى . ولا يجوز أن ينتصب بهما معاً ، بل بأحدهما ، لأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد . وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي : { إِذْ * رُجَّتِ } في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو { إِذَا وَقَعَتِ } ، وليست واحدة منهما شرطية ، بل جعلت بمعنى وقت ، وما بعد إذا أحوال ثلاثة ، والمعنى : وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع ، خافضة قوم ، رافعة آخرين وقت رج الأرض . وهكذا ادعى ابن مالك أن إذا تكون مبتدأ ، واستدل بهذا . وقد ذكرنا في شرح التسهيل ما تبقى به إذا على مدلولها من الشرط ، وتقدم شرح الهباء في سورة الفرقان . { مُّنبَثّاً } : منتشراً . منبتاً بنقطتين بدل الثاء المثلثة ، قراءة الجمهور ، أي منقطعاً . .
{ وَكُنتُمْ } : خطاب للعالم ، { أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً } : أصنافاً ثلاثة ، وهذه رتب للناس يوم القيامة . { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } ، قال الحسن والربيع : هم الميامين على أنفسهم . وقيل : الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم . وقيل : أصحاب المنزلة السنية ، كما تقول : هو مني باليمين . وقيل : المأخوذ بهم ذات اليمين ، أو ميمنة آدم المذكورة في حدث الإسراء في الاسودة . { وَأَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ } : هم من قابل أصحاب الميمنة في هذه الأقوال ، فأصحاب مبتدأ ، ما مبتدأ ثان استفهام في معنى التعظيم ، وأصحاب الميمنة خبر عن ما ، وما بعدها خبر عن أصحاب ، وربط الجملة بالمبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه ، وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم ، وما تعجب من حال الفريقين في السعادة والشقاوة ، والمعنى : أي شيء هم . .
{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } : جوزوا أن يكون مبتدأ وخبراً ، نحو قولهم : أنت أنت ، وقوله : أنا أبو النجم ، وشعري شعري ، أي الذين انتهوا في السبق ، أي الطاعات ، وبرعوا فيها وعرفت حالهم . وأن يكون السابقون تأكيداً لفظياً ، والخبر فيما بعد ذلك ؛ وأن يكون السابقون مبتدأ والخبر فيما بعده ، وتقف على قوله : { وَالسَّابِقُونَ } ، وأن يكون متعلق السبق الأول مخالفاً للسبق الثاني . والسابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة ، فعلى هذا جوزوا أن يكون السابقون خبراً لقوله : { وَالسَّابِقُونَ } ، وأن يكون صفة والخبر فيما بعده . والوجه الأول ، قال ابن عطية : ومذهب سيبويه أنه يعني السابقون خبر الابتداء ، يعني خبر والسابقون ، وهذا كما