@ 174 @ فعلى تقدير تخشع أبصارهم ؛ ومن قرأ خاشعة وأنث ، فعلى تقدير تخشع ؛ ومن قرأ خشعاً جمع تكسير ، فلأن الجمع موافق لما بعده ، وهو أبصارهم ، وموافق للضمير الذي هو صاحب الحال في يخرجون ، وهو نظير قولهم : مررت برجال كرام آباؤهم . وقال الزمخشري : وخشعاً على يخشعن أبصارهم ، وهي لغة من يقول : أكلوني البراغيث ، وهم طيء . انتهى . ولا يجري جمع التكسير مجرى جمع السلامة ، فيكون على تلك اللغة النادرة القليلة . .
وقد نص سيبويه على أن جمع التكسير أكثر في كلام العرب ، فكيف يكون أكثر ، ويكون على تلك اللغة النادرة القليلة ؟ وكذا قال الفراء حين ذكر الإفراد مذكراً ومؤنثاً وجمع التكسير ، قال : لأن الصفة متى تقدمت على الجماعة جاز فيها جميع ذلك ، والجمع موافق للفظها ، فكان أشبه . انتهى . وإنما يخرج على تلك اللغة إذا كان الجمع مجموعاً بالواو والنون نحو : مررت بقوم كريمين آباؤهم . والزمخشري قاس جمع التكسير على هذا الجمع السالم ، وهو قياس فاسد ، ويزده النقل عن العرب أن جمع التكسير أجود من الإفراد ، كما ذكرناه عن سيبويه ، وكما دل عليه كلام الفراء ؛ وجوز أن يكون في خشعاً ضمير ، وأبصارهم بدل منه . وقرىء : خشع أبصارهم ، وهي جملة في موضع الحال ، وخشع خبر مقدم ، وخشوع الأبصار كناية عن الذلة ، وهي في العيون أظهر منها في سائر الجوارح ؛ وكذلك أفعال النفس من ذلة وعزة وحياء وصلف وخوف وغير ذلك . .
{ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } : جملة حالية أيضاً ، شبههم بالجراد في الكثرة والتموج ، ويقال : جاءوا كالجراد في الجيش الكثير المتموج ، ويقال : كالذباب . وجاء تشبيههم أيضاً بالفراش المبثوث ، وكل من الجراد والفراش في الخارجين يوم الحشر شبه منهما . وقيل : يكونون أولاً كالفراش حين يموجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون ، لأن الفراش لا جهة له يقصدها ، ثم كالجراد المنتشر إذا توجهوا إلى المحشر والداعي ، فهما تشبيهان باعتبار وقتين ، قال معناه مكي بن أبي طالب . { مُهْطِعِينَ } ، قال أبو عبيدة : مسرعين ، ومنه قوله : % ( بدجلة دارهم ولقد أراهم % .
بدجلة مهطعين إلى السماع .
) % .
.
زاد غيره : مادّي أعناقهم ، وزاد غيره : مع هز ورهق ومد بصر نحو المقصد ، إما لخوف أو طمع ونحوه . وقال قتادة : عامدين . وقال الضحاك : مقبلين . وقال عكرمة : فاتحين آذانهم إلى الصوت . وقال ابن عباس : ناظرين . ومنه قول الشاعر : % ( تعبدني نمر بن سعد وقد أرى % .
ونمر بن سعد لي مطيع ومهطع .
.
) % .
وقيل : خافضين ما بين أعينهم . وقال سفيان : خاشعة أبصارهم إلى السماء . { يَوْمٌ عَسِرٌ } ، لما يشاهدون من مخايل هوله ، وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه . { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } : أي قبل قريش ، { قَوْمُ نُوحٍ } وفيه وعيد لقريش وضرب مثل لهم . ومفعول كذبت محذوف ، أي كذبت الرسل ، فكذبوا نوحاً عليه السلام . لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً ، كذبوا نوحاً لأنه من جملة الرسل . ويجوز أن يكون المحذوف نوحاً أول مجيئه إليهم ، فكذبوه تكذيباً يعقبه تكذيب . كلما مضى منهم قرن مكذب ، تبعه قرن مكذب . وفي لفظ عبدنا تشريف وخصوصية بالعبودية ، كقوله تعالى : { وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ } ، { سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ } . { وَقَالُواْ مَجْنُونٌ } : أي هو مجنون . لما رأوا الآيات الدالة على صدقه قالوا : هو مصاب الجن ، لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون ، أي