@ 159 @ .
ورجع فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( تلك العزى ولن تعبد أبدأ ) . وقال أبو عبيدة : كانت العزى ومناة بالكعبة . انتهى . ويدل على هذا قول أبي سفيان في بعض الحروب للمسلمين : لنا عزى ، ولا عزى لكم . وقال ابن زيد : كانت العزى بالطائف . وقال قتادة : كانت بنخلة ، ويمكن الجمع ، فإنه كان في كل مكان منها صنم يسمى بالعزى ، كما قلنا في اللات ، فأخبر كل واحد عن ذلك الصنم المسمى ومكانه . { وَمَنَواةَ } : قيل : صخرة كانت لهذيل وخزاعة ، وعن ابن عباس : لثقيف . وقيل : بالمشكك من قديد بين مكة والمدينة ، وكانت أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عدداً ، وكانت الأوس والخزرج تهل لها هذا اضطراب كثير في الأوثان ومواضعها ، والذي يظهر أنها كانت ثلاثتها في الكعبة ، لأن المخاطب بذلك في قوله : { أَفَرَءيْتُمُ } هم قريش . وقرأ الجمهور : ومناة مقصوراً ، فقيل : وزنها فعلة ، سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها : أي تراق . وقرأ ابن كثير : ومناءة ، بالمد والهمز . قيل : ووزنها مفعلة ، فالألف منقلبة عن واو ، نحو : مقالة ، والهمزة أصل مشتقة من النوء ، كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها ، والقصر أشهر . قال جرير : % ( أزيد مناة توعد بأس تيم % .
تأمل أين تاه بك الوعيد .
) % .
.
وقال آخر في المد والهمز : % ( ألا هل أتى تيم بن عبد مناءة % .
على النأي فيما بيننا ابن تميم .
) % .
واللات والعزى ومناة منصوبة بقوله : { أَفَرَءيْتُمُ } ، وهي بمعنى أخبرني ، والمفعول الثاني الذي لها هو قوله : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } على حد ما تقرر في متعلق أرأيت إذا كانت بمعنى أخبرني ، ولم يعد ضمير من جملة الاستفهام على اللات والعزى ومناة ، لأن قوله : { وَلَهُ الاْنثَى } هو في معنى : وله هذه الإناث ، فأغنى عن الضمير . وكانوا يقولون في هذه الأصنام : هي بنات الله ، فالمعنى : ألكم النوع المحبوب المستحسن الموجود فيكم ، وله النوع المذموم بزعمكم ؟ وهو المستثقل . وحسن إبراز الأنثى كونه نصاً في اعتقادهم أنهن إناث ، وأنهن بنات الله تعالى ، وإن كان في لحاق تاء التأنيث في اللات وفي مناة ، وألف التأنيث في العزى ، ما يشعر بالتأنيث ، لكنه قد سمى المذكر بالمؤنث ، فكان في قوله : { الاْنثَى } نص على اعتقاد التأنيث فيها . وحسن ذلك أيضاً كونه جاء فاصلة ، إذ لو أتى ضميراً ، فكان التركيب ألكم الذكر وله هن ، لم تقع فاصلة . وقال الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، فيقول : أخبروني عن آلهتكم ، هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة في الآي السالفة ؟ انتهى . فجعل المفعول الثاني لأفرأيتم جملة الاستفهام التي قدرها ، وحذفت لدلالة الكلام السابق عليها ، وعلى تقديره يبقى قوله : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الاْنثَى } متعلقاً بما قبله من جهة المعنى ، لا من جهة المعنى الإعراب ، كما قلناه نحن . ولا يعجبني قول الزجاج : وجه تلفيق هذه الآية مع ما قبلها ، ولو قال : وجه اتصال هذه ، أو وجه انتظام هذه مع ما قبلها ، لكان الجيد في الأدب ، وإن كان يعني هذا المعنى . .
وقال ابن عطية : { أَفَرَءيْتُمُ } خطاب لقريش ، وهي من رؤية العين ، لأنه أحال على أجرام مرئية ، ولو كانت أرأيت التي هي استفتاء لم تتعد . انتهى . ويعني بالأجرام : اللات والعزى ومناة ، وأرأيت التي هي استفتاء تقع على الأجرام