@ 145 @ فبالإضافة إلى الرب ، وإضافته لكاف الخطاب أمان له صلى الله عليه وسلم ) ؛ وإن العذاب لواقع هو بمن كذابه ، ولواقع على الشدة ، وهو أدل عليها من لكائن . ألا ترى إلى قوله : { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } ، وقوله : { وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } ، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حل به ؟ وعن جبير بن مطعم : قدمت المدينة لأسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في أسارى بدر ، فوافيته يقرأ في صلاة المغرب : { وَالطُّورِ } إلى { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } ، فكأنما صدع قلبي ، فأسلمت خوفاً من نزول العذاب ، وما كنت أظن أن أقوم من مقامي حتى يقع بي العذاب . وقرأ زيد بن علي : واقع بغير لام . قال قتادة : يريد عذاب الآخرة للكفار ، أي لواقع بالكفار . .
ومن غريب ما يحكى أن شخصاً رأى في النوم في كفه مكتوباً خمس واوات ، فعبر له بخير ، فسأل ابن سيرين ، فقال : تهيأ لما لا يسر ، فقال له : من أين أخذت هذا ؟ فقال : من قوله تعالى : { وَالطُّورِ } إلى { إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ } ، فما مضى يومان أو ثلاثة حتى أحيط بذلك الشخص . وانتصب يوم بدافع ، قاله الحوفي ، وقال مكي : لا يعمل فيه واقع ، ولم يذكر دليل المنع . وقيل : هو منصوب بقوله : { لَوَاقِعٌ } ، وينبغي أن يكون { مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } على هذا جملة اعتراض بين العامل والمعمول . قال ابن عباس : { تَمُورُ } : تضطرب . وقال أيضاً : تشقق . وقال الضحاك : يموج بعضها في بعض . وقال مجاهد : تدور . { وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً } ، هذا في أول الأمر ، ثم تنسف حتى تصير آخراً { كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ } . { فَوَيْلٌ } : عطف على جملة تتضمن ربط المعنى وتأكيده ، والخوض : التخبط في الباطل ، وغلب استعماله في الاندفاع في الباطل . .
{ يَوْمَ يُدَعُّونَ } ، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إلى أعناقهم ، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ، ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزجاً في أقفيتهم . وقرأ علي وأبو رجاء والسلمي وزيد بن علي : يدعون ، بسكون الدال وفتح العين : من الدعاء ، أي يقال لهم : هلموا إلى النار ، وادخلوها { دَعًّا } : مدعوعين ، يقال لهم : { هَاذِهِ النَّارُ } . لما قيل لهم ذلك ، وقفوا بعد ذلك على الجهتين اللتين يمكن دخول الشك في أنها النار ، وهي : إما أن يكون سحر يلبس ذات المرئي ، وإما أن يكون في نظر الناظر اختلال ، فأمرهم بصليها على جهة التقريع . ثم قيل لهم على قطع رجائهم : { فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ } : عذابكم حتم ، فسواء صبركم وجزعكم لا بد من جزاء أعمالكم ، قاله ابن عطية . .
وقال الزمخشري : { أَفَسِحْرٌ هَاذَا } ، يعني كنتم تقولون للوحي : هذا سحر . . { أَفَسِحْرٌ هَاذَا } ، يريد : أهذا المصداق أيضاً سحر ؟ ودخلت الفاء لهذا المعنى . { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } : كما كنتم لا تبصرون في الدنيا ، يعني : أم أنتم عمي عن المخبر عنه ، كما كنتم عمياً عن الخبر ؟ وهذا تقريع وتهكم . فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله : { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } ؟ قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة ، وبأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير . فأما الصبر على العذاب ، الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة ، فلا مزية له على الجزع . انتهى . وسحر : خبر مقدم ، وهذا : مبتدأ ، وسواء : مبتدأ ، والخبر محذوف ، أي الصبر والجزع . وقال أبو البقاء : خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وتركه سواء . .
ولما ذكر حال الكفار ، ذكر حال المؤمنين ، ليقع الترهيب والترغيب ، وهو إخبار عن ما يؤول إليه حال المؤمنين ، أخبروا بذلك . ويجوز أن يكون من جملة القول للكفار ، إذ ذلك زيادة في غمهم وتنكيد لهم ، والأول أظهر . وقرأ الجمهور : فكهين ، نصباً على الحال ، والخبر في { جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } . وقرأ خالد : بالرفع على أنه خبر إن ، وفي جنات متعلق به . ومن أجاز تعداد الخبر ، أجاز أن يكونا خبرين . { وَوَقَاهُمْ } معطوف على { فِي جَنَّاتِ } ، إذ المعنى : استقروا في جنات ، أو على { ءاتَاهُمُ } ، وما مصدرية ، أي فكهين بإيتائهم ربهم النعيم ووقايتهم عذاب الجحيم . وجوز أن تكون الواو في ووقاهم واو الحال ، ومن شرط قد في الماضي ، قال : هي هنا مضمرة ، أي وقد وقاهم . وقرأ أبو حيوة : ووقاهم ، بتشديد القاف . { كُلُواْ وَاشْرَبُواْ } على إضمار القول : أي يقال لهم : { هَنِيئَاً } . قال الزمخشري : أكلاً وشرباً هنيئاً ، أو طعاماً وشراباً هنيئاً ، وهو الذي لا تنغيص فيه . ويجوز أن يكون مثله في قوله :