@ 481 @ .
وقال آخر : % ( إذا انقضت الدنيا وزال نعيمها % .
فما لي في شيء سوى ذاك مطمع .
) % .
{ عَلَى حَيَواةٍ } : قدروا فيه أنه على حذف مضاف ، أي على طول حياة ، أو على حذف صفة ، أي على حياة طويلة . ولو لم يقدر حذف لصح المعنى ، وهو أن يكون أحرص الناس على مطلق حياة ، لأن من كان أحرص على مطلق حياة ، وهو تحققها بأدنى زمان ، فلأن يكون أحرص على حياة طويلة أولى ، وكانوا قد ذموا بأنهم أشد الناس حرصاً على حياة ، ولو ساعة واحدة . وقرأ أبي : على الحياة ، بالألف واللام . قال الزمخشري ما معناه : قراءة التنكير أبلغ من قراءة أبي ، لأنه أراد حياة مخصوصة ، وهي الحياة المتطاولة . انتهى . وقد بينا أنه لا يضطر إلى هذه الصفة . .
{ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يجوز أن يكون متصلاً داخلاً تحت أفعل التفضيل ، فيكون ذلك من الحمل على المعنى ، لأن معنى أحرص الناس : أحرص من الناس . ويحتمل أن يكون ذلك من باب الحذف ، أي وأحرص من الذين أشركوا ، فحذف أحرص لدلالة أحرص الأول عليه . والذين أشركوا : المجوس ، لعبادتهم النور والظلمة . وقيل : النار ، أو مشركو العرب لعبادتهم الأصنام واتخاذهم آلهة مع الله أو قوم من المشركين كانوا ينكرون البعث ، كما قال تعالى : { يَقُولُونَ * أَءنَّا لَمَرْدُودُونَ فِى الْحَافِرَةِ * أَءذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } . وعلى هذه الأقوال يكون : { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } تخصيصاً بعد تعميم ، إذا قلنا : إن قوله أحرص الناس عام ، ويكون في ذلك أعظم توبيخ لليهود ، إذ هم أهل كتاب يرجون ثواباً ويخافون عقاباً ، وهم مع ذلك أحرص ممن لا يرجو ذلك ولا يؤمن ببعث . وإنما كان حرصهم أبلغ لعلمهم بأنهم صائرون إلى العقاب ، فكانوا أحب الناس في البعد منه ، لأن من توقع شراً كان أنفر الناس عنه ، فلما كانت الحياة سبباً في تباعد العقاب ، كانوا أحرص الناس عليها . وعلى هذا الذي تقرّر من اتصال ، ومن الذين أشركوا بأفعل التفضيل ، فلا بد من ذكر من ، لأن أحرص الناس جرى على اليهود ، فلو عطفت بغير من لكان معطوفاً على الناس ، فيكون في المعنى : ولتجدنهم أحرص الذين أشركوا ، فكان أفعل يضاف إلى غير ما اندرج تحته ، لأن اليهود ليسوا من المشركين ، أعني المشركين الذين فسر بهم الذين أشركوا هنا ، لا إذا قلنا : إن الثواني في العطف يجوز فيها ما لا يجوز في الأوائل ، فإنه يصح ذلك . وأما قول من زعم أن قوله : { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } معطوفاً على الضمير في قوله : ولتجدنهم ، أي ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة ، فيكون في الكلام تقديم وتأخير . فهو معنى يصح ، لكن اللفظ والتركيب ينبو عنه ويخرجه عن الفصاحة ، ولا ضرورة تدعو إلى أن يكون ذلك من باب التقديم والتأخير ، لا سيما على قول من يخص التقديم والتأخير بالضرورة . .
وهذا البحث كله على تقدير أن تكون الواو في : { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ } لعطف مفرد على مفرد ، وأما إذا كانت لعطف الجمل ، فيكون إذ ذاك منقطعاً من الدخول تحت أفعل التفضيل ، ويكون ابتداء ، إخبار عن قوم من المشركين يودون طول الحياة أيضاً . وتقدّم أن المعنيّ بالذين أشركوا : أهم المجوس ؟ أم مشركو العرب ؟ أم قوم من المشركين في الوجه الأول ؟ وأما على أن يكون استئناف إخبار ، فقال ابن عطية : هم المجوس ، لأن تشميتهم للعاطس بلغتهم معناه : عش ألف سنة . وفي هذا القول تشبيه لبني إسرائيل بهذه الفرقة من المشركين . انتهى كلامه . قال الزمخشري : والذين أشركوا على هذا ، أي على أنه كلام مبتدأ ، مشاربه إلى اليهود ، لأنهم قالوا عزير ابن الله . انتهى كلامه . .
فعلى هذا القول ، يكون قد أخبر أن من هذه الطائفة التي اشتدّ حرصها على الحياة من { يَوَدُّ } لو عمرألف سنة ، فيكون ذلك نهاية في تمني طول الحياة ، ويكون الذين أشركوا من وقوع