@ 120 @ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الاْيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } . % .
هذه السورة مكية ، قال ابن عطية : بإجماع من المتأولين . وقال صاحب التحرير : قال ابن عباس ، وقتادة : مكية إلا آية ، وهي قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } الآية . ومناسبتها لآخر ما قبلها ، أنه تعالى أخبر أن أولئك الذين قالوا آمنا ، لم يكن إيمانهم حقاً ، وانتفاء إيمانهم دليل على إنكار نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : { بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ } . وعدم الإيمان أيضاً يدل على إنكار البعث ، فلذلك أعقبه به . وق حرف هجاء ، وقد اختلف المفسرون في مدلوله على أحد عشر قولاً متعارضة ، لا دليل على صحة شيء منها ، فأطرحت نقلها في كتابي هذا . .
{ وَالْقُرْءانِ } مقسم به و { الْمَجِيدِ } صفته ، وهو الشريف على غيره من الكتب ، والجواب محذوف يدل عليه ما بعده ، وتقديره : أنك جئتهم منذراً بالبعث ، فلم يقبلوا . { بَلْ عَجِبُواْ } ، وقيل : ما ردوا أمرك بحجة . وقال الأخفش ، والمبرد ، والزجاج : تقديره لتبعثن . وقيل : الجواب مذكور ، فعن الأخفش قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ؛ وعن ابن كيسان ، والأخفش : ما يلفظ من قول ؛ وعن نحاة الكوفة : بل عجبوا ، والمعنى : لقد عجبوا . وقيل : إن في ذلك لذكرى ، وهو اختيار محمد بن علي الترمذي . وقيل : ما يبدل القول لديّ ، وهذه كلها أقوال ضعيفة . وقرأ الجمهور : قاف بسكون الفاء ، ويفتحها عيسى ، ويكسرها الحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال ؛ وبالضم : هارون وابن السميفع والحسن أيضاً ؛ فيما نقل ابن خالويه . والأصل في حروف المعجم ، إذا لم تركب مع عامل ، أن تكون موقوفة . فمن فتح قاف ، عدل إلى الحركات ؛ ومن كسر ، فعلى أصل التقاء الساكنين ؛ ومن ضم ، فكما ضم قط ومنذ وحيث . .
{ بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ } : إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه ، فكان المناسب أن لا يعجبوا ، وهذا مع اعترافهم بقدرة الله تعالى ، فأي بعد في أن يبعث من يخوف وينذر بما يكون في المآكل من البعث والجزاء . والضمير في { بَلْ عَجِبُواْ } عائد على الكفار ، ويكون قوله : { فَقَالَ الْكَافِرُونَ } تنبيهاً على القلة الموجبة للعجب ، وهو أنهم قد جبلوا على الكفر ، فلذلك عجبوا . وقيل : الضمير عائد على الناس ، قيل : لأن كل مفطور يعجب من بعثة بشر رسولاً من الله ، لكن من وفق نظر فاهتدى وآمن ، ومن خذل ضل وكفر ؛ وحاج بذلك العجب والإشارة بقولهم : { هَاذَا شَىْء عَجِيبٌ } ، الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر . وقيل : إلى ما تضمنه الإنذار ، وهو الإخبار بالبعث . وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى المرجع . انتهى ، وفيه بعد . .
وقرأ الجمهور : { * أئذأ } بالاستفهام ، وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والفصل بينهما . وقرأ الأعرج ، وشيبة ، وأبو جعفر ، وابن وثاب ، والأعمش ، وابن عتبة عن ابن عامر : إذا بهمزة واحدة على صورة الخبر ، فجاز أن يكون استفهاماً حذفت منه الهمزة ، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وأضمر جواب إذا ، أي إذا متنا وكنا تراباً رجعنا . وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب رجع بعيد على تقدير حذف الفاء ، وقد أجاز بعضهم في جواب الشرط ذلك إذا كان جملة اسمية ، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة . وأما في قراءة الاستفهام ، فالظرف منصوب بمضمر ، أي : أنبعث إذا متنا ؟ وإليه الإشارة بقوله ذلك ، أي البعث . .
{ ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ } ، أي مستبعد في الأوهام والفكر . وقال الزمخشري : وإذا منصوب بمضمر معناه : أحين نموت ونبلى نرجع ؟ انتهى . وأخذه من قول ابن جني ، قال ابن جني : ويحتمل أن يكون المعنى : أئذا متنا بعد رجعنا ، فدل رجع بعيد على هذا الفعل ، ويحل محل الجواب لقولهم أئذا . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع ، وهو الجواب ، ويكون من كلام الله تعالى استبعاداً لإنكارهم ما أنذروا به من البعث ، والوقف قبله على هذا التفسير حسن . فإن قلت : فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع ؟ قلت : ما دل عليه المنذر من المنذر به ، وهو البعث . انتهى . وكون ذلك رجع بعيد بمعنى مرجوع ، وأنه من كلام الله تعالى ، لا من كلامهم ، على ما شرحه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم العرب . .
{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الاْرْضَ مِنْهُمْ } : أي من لحومهم وعظامهم وآثارهم ، قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور ، وهذا فيه رد لاستبعادهم الرجع ، لأن من كان عالماً بذلك