@ 100 @ { صَدَقَ اللَّهُ } : لم يكذبه ، والله تعالى منزه عن الكذب وعن كل قبيح . وصدق يتعدى إلى اثنين ، الثاني بنفسه وبحرف الجر . تقول : صدقت زيداً الحديث ، وصدقته في الحديث ؛ وقد عدها بعضهم في أخوات استغفر وأمر . وقال الزمخشري : فحذف الجار وأوصل الفعل لقوله تعالى : { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } . انتهى . فدل كلامه على أن أصله حرف الجر . وبالحق متعلق بمحذوف ، أي صدقاً ملتبساً بالحق . { لَتَدْخُلُنَّ } : اللام جواب قسم محذوف ، ويبعد قول من جعله جواب بالحق ؛ وبالحق قسم لا تعلق له بصدق ، وتعليقه على المشيئة ، قيل : لأنه حكاية قول الملك للرسول صلى الله عليه وسلم ) ، قاله ابن كيسان . وقيل : هذا التعليق تأدب بآداب الله تعالى ، وإن كان الموعود به متحقق الوقوع ، حيث قال تعالى : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ } . وقال ثعلب : استثنى فيما يعلم ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون . وقال الحسن بن الفضل : كأن الله علم أن بعض الذين كانوا بالحديبية يموت ، فوقع الاستثناء لهذا المعنى . وقال أبو عبيدة : وقوم إن بمعنى إذ ، كما قيل في قوله : { وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ * بِكُمْ } . وقيل : هو تعليق في قوله : { اللَّهُ ءامِنِينَ } ، لا لأجل إعلامه بالدخول ، فالتعليق مقدم على موضعه . وهذا القول لا يخرج التعليق عن كونه معلقاً على واجب ، لأن الدخول والأمن أخبر بهما تعالى ، ووقعت الثقة بالأمرين وهما الدخول والأمن الذي هو قيد في الدخول . و { ءامِنِينَ } : حال مقارنة للدخول . ومحلقين ومقصرين : حال مقدرة ؛ ولا تخافون : بيان لكمال الأمن بعد تمام الحج . .
ولما نزلت هذه الآية علم المسلمون أنهم يدخلونها فيما يستأنف ، واطمأنت قلوبهم ودخلوها معه عليه الصلاة والسلام في ذي القعدة سنة سبع وذلك ثلاثة أيام هو وأصحابه ، وصدقت رؤياه صلى الله عليه وسلم ) . .
{ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } : أي ما قدره من ظهور الإسلام في تلك المدة ، ودخول الناس فيه ، وما كان أيضاً بمكة من المؤمنين الذين دفع الله بهم ، قاله ابن عطية . وقال الزمخشري : فعلم ما لم تعلموا من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل . انتهى . ولم يكن فتح مكة في العالم القابل ، إنما كان بعد ذلك بأكثر من عام ، لأن الفتح إنما كان ثمان من الهجرة . { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } : أي من قبل ذلك ، أي من زمان دون ذلك الزمان الذي وعدوا فيه بالدخول . فتحاً قريباً ، قال كثير من الصحابة : هذا الفتح القريب هو بيعة الرضوان . وقال مجاهد وابن إسحاق : هو فتح الحديبية . وقال ابن زيد : خيبر ، وضعف قول من قال إنه فتح مكة ، لأن فتح مكة لم يكن دون دخول الرسول صلى الله عليه وسلم ) وأصحابه مكة ، بل كان بعد ذلك . .
{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } : فيه تأكيد لصدق رؤياه صلى الله عليه وسلم ) ، وتبشير بفتح مكة لقوله تعالى : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ } ، وتقدم الكلام على معظم هذه الآية . { وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً } على أن ما وعده كائن . وعن الحسن : شهيداً على نفسه أنه سيظهر دينك . والظاهر أن قوله : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ } مبتدأ وخبر . وقيل : رسوله الله صفة . وقال الزمخشري : عطف بيان ، { وَالَّذِينَ } معطوف ، والخبر عنه وعنهم أشداء . وأجاز الزمخشري أن يكون محمد خبر مبتدأ محذوف ، أي هو محمد ، لتقدم قوله : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ } . وقرأ ابن عامر في رواية : رسوله الله بالنصب على المدح ، والذين معه هم من شهد الحديبية ، قاله ابن عباس . وقال الجمهور : جميع أصحابه أشداء ، جمع شديد ، كقوله : { أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } . { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } ، كقوله : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } ، وكقوله : { وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ } ، وقوله : { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } . وقرأ الحسن : أشداء رحماء بنصبهما . قيل : على المدح ، وقيل : على الحال ، والعامل فيهما العامل في معه ، ويكون الخبر عن المتبدأ المتقدم : تراهم . وقرأ يحيى بن يعمر : أشدا ، بالقصر ، وهي شاذة ، لأن قصر الممدود إنما يكون في الشعر ، نحو قوله : % ( لا بد من صنعا وإن طال السفر وفي قوله : { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } دليل على كثرة ذلك منهم . وقرأ عمرو بن عبيد : ورضواناً ، بضم الراء . وقرىء : سيمياهم ، بزيادة ياء والمد ، وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر ، قال الشاعر : %