@ 476 @ أيضاً من الفائدة تذكارهم بتعداد نعم الله عليهم ونقمه منهم ، ليزدجر الأخلاف بما حل بالأسلاف . .
{ وَاسْمَعُواْ } أي : اقبلوا ما سمعتم ، كقوله : { سَمِعَ اللَّهُ * لِمَنْ } ، أو { الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ } ، أو { اللَّهَ وَأَطِيعُواْ } . لأن فائدة السماع الطاعة ، قاله المفضل . والمعنى في هذه الأقوال الثلاثة قريب . قال الماتريدي : معنى اسمعوا : افهموا . وقيل : اعملوا ، ووجهه أن السمع يسمع به ، ثم يتخيل ، ثم يعقل ، ثم يعمل به إن كان مما يقتضي عملاً . ولما كان السماع مبتدأ ، والعمل غاية ، وما بينهما وسائط ، صح أن يراد بعض الوسائط ، وصح أن يراد به الغاية . { قَالُواْ } : هذا من الالتفات ، إذ لو جاء على الخطاب لقال : قلتم { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } : ظاهره أن كلتا الجملتين مقولة ، ونطقوا بذلك مبالغة في التعنت والعصيان . ويؤيده قول ابن عباس : كانوا إذا نظروا إلى الجبل قالوا : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ، وإذا نظروا إلى الكتاب قالوا : { سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا } . وقيل : القول هنا مجاز ، ولم ينطقوا بشيء من الجملتين ، ولكن لما لم يقبلوا شيئاً مما أمروا به ، جعلوا كالناطقين بذلك . وقيل : يعبر بالقول للشيء عما يفهم به من حاله ، وإن لم يكن نطق . وقيل : المعنى سمعنا بآذاننا وعصنيا بقلوبنا ، وهذا راجع لما قاله الزمخشري ، قال : قالوا سمعنا قولك وعصينا أمرك . فإن قلت : فكيف طابق قوله جوابهم ؟ قلت : طابقه من حيث أنه قال لهم اسمعوا ، وليكن سماعكم سماع تقبل وطاعة ، فقالوا سمعنا ولكن لا سماع طاعة ، انتهى كلامه . والقول الأوّل أحسن ، لأنا لا نصير إلى التأويل مع إمكان حمل الشيء على ظاهره ، لا سيما إذا لم يقم دليل على خلافه . { وَاشْرَبُواْ } : عطف على قالوا سمعنا وعصينا . فيكون معطوفاً على قالوا ، أي خذوا ما آتيناكم بقوّة ، قلتم كذا وكذا وأشربتم ، أو عطف مستأنف لا داخل في باب الالتفات ، بل إخبار من الله عنهم بما صدر منهم من عبادة العجل ، أو الواو للحال ، أي وقد أشربوا والعامل قالوا ، ولا يحتاج الكوفيون إلى تقدير قد في الماضي الواقع حالاً ، والقول الأول هو الظاهر . { فِى قُلُوبِهِمْ } : ذكر مكان الإشراب ، كقوله : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ } . { الْعِجْلَ } : هو على حذف مضافين ، أي حب عبادة العجل من قولك : أشربت زيداً ماء ، والإشراب مخالطة المائع الجامد ، وتوسع فيه حتى صار في اللونين ، قالوا : وأشربت البياض حمرة ، أي خلطتها بالحمرة ، ومعناه أنه داخلهم حب عبادته ، كما داخل الصبغ الثوب ، وأنشدوا : % ( إذا ما القلب أشرب حب شيء % .
فلا تأمل له عند انصرافاً .
) % .
وقال ابن عرفة : يقال أشرب قلبه حب كذا ، أي حل محل الشراب ومازجه . انتهى كلامه . وإنما عبر عن حب العجل بالشرب دون الأكل ، لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها ، ولهذا قال بعضهم : % ( جرى حبها مجرى دمي في مفاصلي % .
فأصبح لي عن كل شغل بها شغل .
) % .
وأما الطعام فقالوا : وهو مجاور لها ، غير متغلغل فيها ، ولا يصل إلى القلب منه إلا يسير ، وقال : % ( تغلغل حبّ عثمة في فؤادي % .
فباديه مع الخافي يسير .
) % .
وحسن حذف ذينك المضافين ، وأسند الإشراب إلى ذات العجل مبالغة كأنه بصورته أشربوه ، وإن كان المعنى على ما ذكرناه من الحذف . وقيل : معنى اشربوا : أي شدّ في قلوبهم حب العجل لشغفهم به ، من أشربت البعير :