@ 91 @ ضمير يعود على الله ، وليكون المبدأ مسنداً إلى الاسم الظاهر والمنتهى كذلك . ولما كان الغفران وإتمام النعمة والهداية والنصر يشترك في إطلاقها الرسول صلى الله عليه وسلم ) وغيره بقوله تعالى : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } ، وقوله : { إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ } ؛ وكان الفتح لم يبق لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم ) ، أسنده تعالى إلى نون العظمة تفخيماً لشأنه ، وأسند تلك الأشياء الأربعة إلى الاسم الظاهر ، واشتركت الخمسة في الخطاب له صلى الله عليه وسلم ) ، تأنيساً له وتعظيماً لشأنه . ولم يأت بالاسم الظاهر ، لأن في الإقبال على المخاطب ما لا يكون في الاسم الظاهر . .
{ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ } : وهي الطمأنينة والسكون ؛ قيل : بسبب الصلح والأمن ، فيعرفون فضل الله عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف ، والهدنة بعد القتال ، فيزدادوا يقيناً إلى يقينهم . وقيل : السكينة إشارة إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ) من الشرائع ، ليزدادوا إيماناً بها إلى إيمانهم ، وهو التوحيد ؛ روي معناه عن ابن عباس . وقيل : الوقار والعظمة لله ولرسوله . وقيل : الرحمة ليتراحموا ، وقاله ابن عباس . { وَلِلَّهِ جُنُودُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } : إشارة إلى تسليم الأشياء إليه تعالى ، ينصر من شاء ، وعلى أي وجه شاء ، ومن جنده السكينة ثبتت قلوب المؤمنين . { لّيُدْخِلَ } : هذه اللام تتعلق ، قيل : بإنا فتحنا لك . وقيل : بقوله : { لِيَزْدَادُواْ } . فإن قيل : { وَيُعَذّبَ } عطف عليه ، والازدياد لا يكون سبباً لتعذيب الكفار ، أجيب عن هذا بأنه ذكر لكونه مقصوداً للمؤمن ، كأنه قيل : بسبب ازديادكم في الأيمان يدخلكم الجنة ويعذب الكفار بأيديكم في الدنيا . وقيل : بقوله : { وَيَنصُرَكَ اللَّهُ } : أي بالمؤمنين . وهذه الأقوال فيها بعد . وقال الزمخشري : { وَلِلَّهِ جُنُودُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } ، يسلط بعضها على بعض ، كما يقتضيه علمه وحكمته . ومن قضيته أن صلح قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ، وإن وعدهم أن يفتح لهم ، وإنما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة الله فيه ويشكرون ، فيستحقوا الثواب ، فيثيبهم ، ويعذب الكافرين والمنافقين ، لما غاظهم من ذلك وكرهوه . انتهى . ولا يظهر من كلامه هذا ما تتعلق به اللام ؛ والذي يظهر أنها تتعلق بمحذوف يدل عليه الكلام ، وذلك أنه قال : { وَلِلَّهِ جُنُودُ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } . كان في ذلك دليل على أنه تعالى يبتلي يتلك الجنود من شاء ، فيقبل الخير من قضى له بالخير ، والشر من قضى له بالشر . { لّيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ } جنات ، ويعذب الكفار . فاللام تتعلق بيبتلي هذه ، وما تعلق بالابتلاء من قبول الإيمان والكفر . { وَيُكَفّرْ } : معطوف على ليدخل ، وهو ترتيب في الذكر لا ترتيب في الوقوع . وكان التبشير بدخول الجنة أهم ، فبدىء به . ولما كان المنافقون أكثر ضرراً على المسلمين من المشركين ، بدىء بذكرهم في التعذيب . .
{ الظَّانّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْء } : الظاهر أنه مصدر أضيف إلى ما يسوء المؤمنين ، وهو أن المشركين يستأصلونهم ولا ينصرون ، ويدل عليه : { عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْء } ، و { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَداً } . وقيل : { ظَنَّ السَّوْء } : ما يسوء المشركين من إيصال الهموم إليهم ، بسبب علو كلمة الله ، وتسليط رسوله قتلاً وأسراً ونهباً . ثم أخبر أنهم يستعلي عليهم السوء ويحيط بهم ، فاحتمل أن يكون خبراً حقيقة ، واحتمل أن يكون هو وما بعده دعاء عليهم . وتقدم الكلام على هذه الجملة في سورة براءة . وقيل : { ظَنَّ السَّوْء } يشمل ظنونهم الفاسد من الشرك ، كما قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ } ، ومن انتفاء رؤية الله تعالى الأشياء وعلمه بها كما قال : { وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً } بطلان خلق العالم ، كما قال : { ذالِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } . وقيل : السوء هنا كما تقول : هذا فعل سوء . وقرأ الحسن : السوء فيهما بضم السين . .
{ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } : لما تقدم تعذيب الكفار والانتقام منهم ، ناسب ذكر العزة . ولما وعد تعالى بمغيبات ، ناسب ذكر العلم ، وقرن باللفظتين ذكر جنود السموات والأرض ؛ فمنها السكينة التي للمؤمنين والنقمة للمنافقين والمشركين ، ومن جنود الله الملائكة في السماء ، والغزاة في سبيل الله في الأرض . وقرأ