@ 85 @ جملتي استئناف ، أخبر أولاً بقوله : { أَنتُمْ * الاْعْلَوْنَ } ، فهو إخبار بمغيب أبرزه الوجود ، ثم ارتقى إلى رتبة أعلى من التي قبلها ، وهي كون الله تعالى معهم . { وَلَن يَتِرَكُمْ } ، قال ابن عباس : ولن يظلمكم ؛ وقيل : لن يعريكم من ثواب أعمالكم ؛ وقيل : ولين ينقصكم . وقال الزمخشري ، وقال أبو عبيد : { وَلَن يَتِرَكُمْ } : من وترت الرجل ، إذا قتلت له قتيلاً من ولد أو أخ أو حميم أو قريب ؛ قال : أو ذهبت بماله ؛ قال : أو حربته ، وحقيقته أفردته من قريبه أو ماله من الوتر وهو الفرد . فشبه إضاعة عمل العامل وتعطيل ثوابه بوتر الواتر ، وهو من فصيح الكلام ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) ، أي أفرد عنهما قتلاً ونهباً . .
{ إِنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } : وهو تحقير لأثر الدنيا ، أي فلا تهنوا في الجهاد . وأخبر عنها بذلك ، باعتبار ما يختص بها من ذلك ؛ وأما ما فيها من الطاعة وأمر الآخرة فليس بذلك . { يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } : أي ثواب أعمالكم من الإيمان والتقوى ، { وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ } . قال سفيان بن عيينة : أي كثيراً من أموالكم ، إنما يسألكم ربع العشر ، فطيبوا أنفسكم . وقيل : لا حاجة إليها ، بل يرجع ثواب إنفاقكم إليكم . وقيل : إنما يسألكم أمواله ، لأنه هو المالك لها حقيقة ، وهو المنعم بإعطائها . وقيل : الضمير في يسألكم للرسول ، أي لا يسألكم أجراً على تبليغ الرسالة ، كما قال : { قُلْ مَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلّفِينَ } . .
{ ؤإِن يَسْئَلْكُمُوهَا * جَمِيعاً * فَيُحْفِكُمْ } : أي يبالغ في الإلحاح . { تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } : أي تطعنون على الرسول وتضيق صدوركم كذلك ، وتخفون دين يذهب بأموالكم . وقرأ الجمهور : ويخرج أضغانكم جزماً على جواب الشرط ، والفعل مسند إلى الله ، أو إلى الرسول ، أو إلى البخل . وقرأ عبد الوارث ، عن أبي عمرو : ويخرج ، بالرفع على الاستئناف بمعنى : وهو يخرج . وحكاها أبو حاتم ، عن عيسى ؛ وفي اللوامح عن عبد الوارث ، عن أبي عمرو : وتخرج ، بالتاء وفتحها وضم الراء والجيم ؛ أضغانكم : بالرفع ، بمعنى : وهو يخرج أو سيخرج أضغانكم ، رفع بفعله . وقرأ ابن عباس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، وابن محيصن ، وأيوب بن المتوكل ، واليماني : وتخرج ، بتاء التأنيث مفتوحة ؛ أضغانكم : رفع به ؛ ويعقوب : ونخرج ، بالنون ؛ أضغانكم : رفعاً ، وهي مروية عن عيسى ، إلا أنه فتح الجيم بإضمار أن ، فالواو عاطفة على مصدر متوهم ، أي يكف بخلكم وإخراج أضغانكم . وهذا الذي خيف أن يعتري المؤمنين ، هو الذي تقرب به محمد بن سلمة إلى كعب بن الأشرف ، وتوصل به إلى قتله حين قاله له : إن هذا الرجل قد أكثر علينا وطلب منا الأموال . .
{ ثُمَّ أَنتُمْ هَاؤُلاء } : كررها التنبيه توكيداً ، وتقدم الكلام على هذا التركيب في سورة آل عمران . وقال الزمخشري : هؤلاء موصول بمعنى الذين صلته تدعون ، أي أنتم الذين تدعون ، أو أنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون ؛ ثم استأنف وصفهم كأنهم قالوا : وما وصفنا فقيل : تدعون لتنفقوا في سبيل الله . انتهى . وكون هؤلاء موصولاً إذا تقدمها ما الاستفهامية باتفاق ، أو من الاستفهامية باختلاف . { فِى سَبِيلِ اللَّهِ } ، قيل : للغزو ، وقيل : الزكاة ، واللفظ أعم . { وَمَن يَبْخَلْ } : أي بالصدقة وما أوجب الله عليه ؛ { فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } : أي لا يتعدى ضرره لغيره . وبخل يتعدى بعلى وبعن . يقال : بخلت عليه وعنه ، وصليت عليه