@ 76 @ والتنوين ، وفدى لك بالقصر ، وفداء لك . والظاهر من قوله : { فَإِمَّا مَنًّا } : المن بالإطلاق ، كما منّ الرسول عليه الصلاة والسلام على ثمامة ، وعلى أبي عروة الحجبي . وفي كتاب الزمخشري : كما منّ على أبي عروة الحجبي ، وأثال الحنفي ، فغير الكنية والاسم ، ولعل ذلك من الناسخ ، لا في أضل التصنيف . وقيل : يجوز أن يراد بالمنّ : أي يمنّ عليهم بترك القتل ويسترقوا ، أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وكونهم من أهل الذمة . .
والظاهر أن قوله : { حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } غاية لقوله : { فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ } ، لأنه قد غيا فضرب الرقاب بشد الوثاق وقت الإثخان . فلا يمكن أن يغيا بغاية أخرى لتدافع الغايتين ، إلا إن كانت الثانية مبينة للأولى ومؤكدة ، فيجوز ، لأن شد الوثاق للأسرى لا يكون إلا حتى تضع الحرب أوزارها . إذا فسرنا ذلك بانتفاء شوكة الكفار الملقيين إذ ذاك ، ويكون الحرب المراد بها التي تكون وقت لقاء المؤمنين للكفار ، ويجوز أن يكون المغيا محذوفاً يدل عليه المعنى ، التقدير : الحكم ذلك حتى تضع الحرب أوزارها ، أي لا يبقى شوكة لهم . أو كما قال ابن عطية : إنها استعارة بمعنى إلى يوم القيامة ، أي اصنعوا ذلك دائماً . وقال الزمخشري : فإن قلت : حتى بم تعلقت ؟ قلت : لا يخلو من أن تتعلق إما بالضرب والشد ، أو بالمنّ والفداء . فالمعنى على كلا المتعلقين عند الشافعي رحمه الله : أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن يكون حرب مع المشركين ، وذلك إذا لم يبق لهم شوكة . وقيل : إذا نزل عيسى بن مريم ؛ وعند أبي حنيفة رحمه الله : إذا علق بالضرب والشد . فالمعنى : أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار ، وذلك حتى لا يبقى شوكة للمشركين . وإذا علق بالمن والفداء ، فالمعنى : أنهم يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها ، إلى أن تناول المن والفداء ، يعني : بتناول المن بأن يتركوا عن القتل ويسترقوا ، أي بالتخلية بضرب الجزية بكونهم من أهل الذمة ، وبالعذاب أن يفادى بأسارى المشركين أسارى المسلمين . وقد رواه الطحاوي مذهباً لأبي حنيفة ؛ والمشهور أنه لا يرى فداءهم بمال ولا غيره ، خيفة أن يعودوا حدباً للمسلمين . { ذالِكَ } أي الأمر ذلك إذا فعلوا . .
{ ذالِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } : أي لا أنتقم منهم ببعض أسباب الهلاك ، من خسف ، أو رجفة ، أو حاصب ، أو غرق ، أو موت جارف . { وَلَاكِن لّيَبْلُوَ } : أي ولكن : أمركم بالقتال ليبلو بعضكم ، وهم المؤمنون ، أي يختبرهم ببعض ، وهم الكافرون ، بأن يجاهدوا ويصبروا ، والكافرين بالمؤمنين بأن يعاجلهم على أيديهم ببعض ما وجب لهم من العذاب . وقرأ الجمهور : قاتلوا ، بفتح القاف والتاء ، بغير ألف ؛ وقتادة ، والأعرج ، والأعمش ، وأبو عمرو ، وحفص : قتلوا مبنياً للمفعول ، والتاء خفيفة ، وزيد بن ثابت ، والحسن ، وأبو رجاء ، وعيسى ، والجحدري أيضاً : كذلك . وقرأ علي : { فَلَن يُضِلَّ } مبنياً للمفعول ؛ { أَعْمَالَهُمْ } : رفع . وقرىء : يضل ، بفتح الياء ، من ضل أعمالهم : رفع . { سَيَهْدِيهِمْ } : أي إلى طريق الجنة . وقال مجاهد : يهتدي أهل الجنة إلى مساكنهم منها لا يخطؤون ، لأنهم كانوا سكانها منذ خلقوا ، لا يستبدلوا عليها . وروى عياض عن أبي عمرو : { وَيُدْخِلُهُمُ } ، و { يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ } ، و { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ } ، بسكون لام الكلمة . { عَرَّفَهَا لَهُمْ } ، عن مقاتل : أن الملك الذي وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه فيعرفه كل شيء أعطاه الله . وقال أبو سعيد الخدري ، ومجاهد ، وقتادة : معناه بينها لهم ، أي جعلهم يعرفون منازلهم منها . وفي الحديث لأحدكم بمنزلة في الجنة أعرف منه بمنزلة في الدنيا . وقيل : سماها لهم ورسمها كل منزل بصاحبه ، وهذا نحو من التعريف . يقال : عرف الدار وأرفها : أي حددها ، فجنة كل أحد مفرزة عن غيرها . والعرف والأرف : الحدود . وقيل : شرفها لهم ورفعها وعلاها ، وهذا من الأعراف التي هي الجبال وما أشبهها . وقال مؤرج وغيره : طيبها ، مأخوذ من العرف ، ومنه : طعام معرف : أي مطيب ، أي وعرفت القدر طيبتها بالملح والتابل . .
{ إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ } : أي دينه ، { يَنصُرْكُمُ } : أي على أعدائكم ، بخلق القوة فيكم ، وغير ذلك من المعارف . { وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ } : أي في مواطن الحرب ، أو على محجة الإسلام . وقرأ الجمهور : { وَيُثَبّتْ } : مشدداً ، والمفضل عن عاصم : مخففاً . { فَتَعْساً لَّهُمْ } : قال ابن عباس : بعد الهم ؛ وابن جريج ، والسدي : حزناً لهم ؛ والحسن : شتماً ؛ وابن زيد : شقاء ؛ والضحاك : رغماً ؛ وحكى النقاش : قبحاً . { وَالَّذِينَ كَفَرُواْ } : مبتدأ ، والفاء داخلة في