@ 67 @ السمع ؛ فلما بعث الرسول ، حرست السماء ، ورمي الجن بالشهب ، قالوا : ما هذا إلا أمر حدث . وطافوا الأرض ، فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بوادي نخلة ، وهو قائم يصلي ؛ فاستمعوا لقراءته ، وهو لا يشعر ؛ فأنبأه الله باستماعهم . .
{ الثَّالِثَةَ الاْخْرَى } : أن الله أمره أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فقال : ( إني أمرت أن أقرأ على الجن فمن يتبعني ) ، قالها ثلاثاً ، فأطرقوا إلا عبد الله بن مسعود ، قال : لم يحضره أحد ليلة الجن غيري . فانطلقنا حتى إذا كنا في شعب الحجون ، خط لي خطاً وقال : ( لا تخرج منه حتى أعود إليك ) ، ثم افتتح القرآن . وسمعت لغطاً شديداً حتى خفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وعشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم تقطعوا تقطع السحاب ، فقال لي : ( هل رأيت شيئاً ) ؟ قلت : نعم ، رجالاً سوداً مستثفري ثياب بيض ، فقال : ( أولئك جن نصيبين ) . وكانوا اثني عشر ألفاً ، والسورة التي قرأها عليهم : اقرأ باسم ربك . وفي آخر هذا الحديث قلت : يا رسول الله ، سمعت لهم لغطاً ، فقال : ( إنهم تدارؤا في قتيل لهم فحكمت بالحق ) . وقد روي عن ابن مسعود أنه لم يحضر أحد ليلة الجن ، والله أعلم بصحة ذلك . .
{ فَلَمَّا حَضَرُوهُ } : أي القرآن ، أي كانوا بمسمع منه ، وقيل : حضروا الرسول ، وهو التفات من إليك إلى ضمير الغيب . { قَالُواْ أَنصِتُواْ } : أي اسكتوا للاستماع ، وفيه تأديب مع العلم وكيف يتعلم . وقرأ الجمهور : { فَلَمَّا قُضِىَ } : مبنياً للمفعول ؛ وأبو مجلز ، وحبيب بن عبد الله بن الزبير : قضى ، مبنياً للفاعل ، أي قضى محمد ما قرأ ، أي أتمه وفرغ منه . وقال ابن عمر ، وجابر بن عبد الله : قرأ عليهم سورة الرحمن ، فكان إذا قال : { فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } ، قالوا : لا شيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد . { وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } : تفرقوا على البلاد ينذرون الجن . قال قتادة : ما أسرع ما عقل القوم . انتهى . وعند ذلك وقعت قصة سواد بن قارب ، وخنافر وأمثالهما ، حين جاءهما رياهما من الجن ، وكان سبب إسلامهما . .
{ مِن بَعْدِ مُوسَى } : أي من بعد كتاب موسى . قال عطاء : كانوا على ملة اليهود ، وعن ابن عباس : لم تسمع الجن بأمر عيسى ، وهذا لا يصح عن ابن عباس . كيف لا تسمع بأمر عيسى وله أمة عظيمة لا تنحصر على ملته ؟ فيبعد عن الجن كونهم لم يسمعوا به . ويجوز أن يكونوا قالوا : { مِن بَعْدِ مُوسَى } تنبيهاً لقومهم على اتباع الرسول ، إذ كان عليه الصلاة والسلام قد بشر به موسى ، فقالوا : ذلك من حيث أن هذا الأمر مذكور في التوراة ، { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من التوراة والإنجيل والكتب الإلهية ، إذ كانت كلها مشتملة على التوحيد والنبوة والمعاد ، والأمر بتطهير الأخلاق . { يَهْدِى إِلَى الْحَقّ } : أي إلى ما هو حق في نفسه صدق ، يعلم ذلك بصريح العقل . { وَإِلَى * صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ } : غابر بين اللفظين ، والمعنى متقارب ، وربما استعمل أحدهما في موضع لا يستعمل الآخر فيه ، فجمع هنا بينهما وحسن التكرار . { أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ } : هو الرسول ، والواسطة المبلغة عنه ، { ياقَوْمَنَا أَجِيبُواْ } : يعود على الله . .
{ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } : من للتبعيض ، لأنه لا يغفر بالإيمان ذنوب المظالم ، قال معناه الزمخشري . وقيل : من زائدة ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، فلا يبقى معه تبعة . { وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } : وهذا كله وظواهر القرآن تدل على الثواب ، وكذا قال ابن عباس : لهم ثواب وعليهم عقاب ، يلتقون في الجنة ويزدحمون على أبوابها . وقيل : لا ثواب لها إلا النجاة من النار ، وإليه كان يذهب أبو حنيفة . { فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الاْرْضَ } : أي بفائت من عقابه ، إذ لا منجا منه ، ولا مهرب ، كقوله : { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِى الاْرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } . وروي عن ابن عامر : وليس لهم بزيادة ميم . وقرأ الجمهور : { وَلَمْ يَعْىَ } ، مضارع عيي ، على وزن فعل ، بكسر العين ؛ والحسن : ولم يعي ، بكسر العين وسكون الياء ، ووجهه أنه في الماضي فتح عين الكلمة ، كما قالوا في بقي : بقا ، وهي لغة لطيىء . ولما بنى الماضي على فعل بفتح العين ، بنى مضارعه على يفعل بكسر العين ، فجاء يعني . فلما دخل الجازم ، حذف الياء ، فبقي يعي بنقل حركة الياء إلى العين ، فسكنت الياء وبقي يعي . وقرأ الجمهور : { بِقَادِرٍ } : اسم فاعل ، والباء زائدة في خبر أن ، وحسن زيادتها كون ما قبلها في حيز النفي . وقد أجاز الزجاج : ما ظننت أن أحداً بقائم ،