@ 57 @ بأنهم يدعون من لا يستجيب . { غَافِلُونَ } : لا يتأملون ما عليهم في دعائهم من هذه صفته . .
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءايَاتُنَا بَيّنَاتٍ } : جمع بينة ، وهي الحجة الواضحة . واللام في { لِلْحَقّ } ، لام العلة ، أي لأجل الحق . وأتى بالظاهرين بدل المضمرين في { قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقّ } ، ولم يأت التركيب : قالوا لها ، تنبيهاً على الوصفين : وصف المتلو عليهم بالكفر ، ووصف المتلو عليهم بالحق ، ولو جاء بهما الوصفين ، لم يكن في ذلك دليل على الوصفين من حيث اللفظ ، وإن كان من سمى الآيات سحراً هو كافر ، والآيات في نفسها حق ، ففي ذكرهما ظاهرين ، يستحيل على القائلين بالكفر ، وعلى المتلو بالحق . وفي قوله : { لَمَّا جَاءهُمْ } تنبيه على أنهم لم يتأملوا ما يتلى عليهم ، بل بادروا أول سماعه إلى نسبته إلى السحر عناداً وظلماً ، ووصفوه بمبين ، أي ظاهر ، إنه سحر لا شبهة فيه . .
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } : أي بل يقولون افتراه ، أي بل أيقولون اختلقه ؟ انتقلوا من قولهم : { هَاذَا سَاحِرٌ } إلى هذه المقالة الأخرى . والضمير في افتراه عائد إلى الحق ، والمراد به الآيات . { قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ } ، على سبيل الفرض ، فالله حسبي في ذلك ، وهو الذي يعاقبني على الافتراء عليه ، ولا يمهلني ؛ { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ } عقوبة الله بي شيئاً . فكيف أفتريه وأتعرض لعقابه ؟ يقال : فلان لا يملك إذا غضب ، ولا يملك عنانه إذا صم ؛ ومثله : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } ؟ { وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا أملك لكم من الله شيئاً ) . ثم استسلم إلى الله واستنصر به فقال : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } : أي تندفعون فيه من الباطل ، ومراده الحق ، وتسميته تارة سحراً وتارة فرية . والضمير في فيه يحتمل أن يعود على ما ، أو على القرآن ، وبه في موضع الفاعل يكفي على أصح الأقوال . { شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } : شهيد إليّ بالتبليغ والدعاء إليه ، وشهيد عليكم بالتكذيب . { وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } : عدة لهم بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر ، وإشعار بحلمه تعالى عليهم ، إذ لم يعاجلهم بالعقاب ، إذ كان ما تقدم تهديداً لهم في أن يعاجلهم على كفرهم . { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مّنَ الرُّسُلِ } : أي جاء قبلي غيري ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والبدع والبديع : من الأشياء ما لم ير مثله ، ومنه قول عدي بن زيد ، أنشده قطرب : % ( فما أنا بدع من حوادث تعتري % .
رجالاً عرت من بعد بؤسي فأسعد .
.
) % .
والبدع والبديع : كالخف والخفيف ، والبدعة : ما اخترع مما لم يكن موجوداً ، وأبدع الشاعر : جاء بالبديع ، وشيء بدع ، بالكسر : أي مبتدع ، وفلان بدع في هذا الأمر : أي بديع ، وقوم إبداع ، عن الأخفش . وقرأ عكرمة ، وأبو حيوة ، وابن أبي عبلة : بفتح الدال ، جمع بدعة ، وهو على حذف مضاف ، أي ذا بدع . وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون صفة على فعل ، كقولهم : دين قيم ولحم زيم . انتهى . وهذا الذي أجازه ، إن لم ينقل استعماله عن العرب ، لم نجزه ، لأن فعل في الصفات لم يحفظ منه سيبويه إلا عدى . قال سيبويه : ولا نعلمه جاء صفة إلا في حرف معتل يوصف به الجمع ، وهو قوم عدي ، وقد استدرك ، واستدراكه صحيح . وأما قيم ، فأصله قيام وقيم ، مقصور منه ، ولذلك اعتلت الواو فيه ، إذ لو لم يكن مقصوراً لصحت ، كما صحت في حول وعوض . وأما قول العرب : مكان سوى ، وماء روى ، ورجل رضى ، وماء صرى ، وسبى طيبه ، فمتأولة عند البصريين لا يثبتون بها فعلاً في الصفات . وعن مجاهد ، وأبي حيوة : بدعا ، بفتح الباء وكسر الدال ، كحذر . . .
{ وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ } : أي فيما يستقبل من الزمان ، أي لا أعلم مالي بالغيب ، فأفعاله تعالى ، وما يقدر لي ولكم من قضاياه ، لا أعلمها . وعن الحسن وجماعة : وما أدري ما يصير إليه أمري وأمركم في الدنيا ، ومن الغالب منا والمغلوب ؟ وعن الكلبي ، قال له أصحابه ، وقد ضجروا من أذى المشركين : حتى متى نكون على هذا ؟ فقال : ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أأنزل بمكة ؟