@ 48 @ والعدم . وجوز في انتصاب سواء وجهين : أحدهما : أن يكون منصوباً على الحال ، وكالذين المفعول الثاني ، والعكس . وقرأ الأعمش : سواء بالنصب ، محياهم ومماتهم بالنصب أيضاً ، وخرج على أن يكون محياهم ومماتهم ظرفي زمان ، والعامل ، إما أن نجعلهم ، وإما سواء ، وانتصب على البدل من مفعول نجعلهم ، والمفعول الثاني سواء ، أي أن يجعل محياهم ومماتهم سواء . وقال الزمخشري : ومن قرأ ومماتهم بالنصب ، جعل محياهم ومماتهم ظرفين ، كمقدم الحاج وخفوق النجم ، أي سواء في محياهم وفي مماتهم ، والمعنى : إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محياً ، وأن يستووا مماتاً ، لافتراق أحوالهم وتمثيله بقوله : وخفوق النجم ليس بجيد ، لأن خفوق مصدر ليس على مفعل ، فهو في الحقيقة على حذف مضاف ، أي وقت خفوق النجم ، بخلاف محيا وممات ومقدم ، فإنها تستعمل بالوضع مصدراً واسم زمان واسم مكان ، فإذا استعملت اسم مكان أو اسم زمان ، لم يكن ذلك على حذف مضاف قامت هذه مقامه ، لأنها موضوعة للزمان وللمكان ، كما وضعت للمصدر ؛ فهي مشتركة بين هذه المدلولات الثلاثة ، بخلاف خفوق النجم ، فإنه وضع للمصدر فقط . .
وقد خلط ابن عطية في نقل القرآن ، وله بعض عذر . فإنه لم يكن معرباً ، فقال : وقرأ طلحة بن مصرف ، وعيسى بخلاف عنه : سواء بالنصب ، محياهم ومماتهم بالرفع ، وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص ، والأعمش : سواء بالنصب ، محياهم ومماتهم بالنصب ؛ ووجه كلاً من القراءتين على ما تقتضيه صنعة الإعراب ، وتبعه على هذا الوهم صاحب التحرير ، وهو معذور ، لأنه ناسخ من كتاب إلى كتاب ؛ والصواب ما استبناه من القراءات لمن ذكرنا . ويستنبط من هذه الآية تباين حال المؤمن العاصي من حال الطائع ، وإن كانت في الكفار ، وتسمى مبكاة العابدين . وعن تميم الداري ، رضي الله عنه ، أنه كان يصلي ذات ليلة عند المقام ، فبلغ هذه الآية ، فجعل يبكي ويردد إلى الصباح : { سَاء مَا يَحْكُمُونَ } . وعن الربيع بن خيثم ، أنه كان يردّدها ليلة أجمع ، وكذلك الفضيل بن عياض ، كان يقول لنفسه : ليت شعري من أي الفريقين أنت ؟ وقال ابن عطية : وأما لفظها فيعطي أنه اجتراح الكفر ، بدليل معادلته بالإيمان ؛ ويحتمل أن تكون المعادلة هي بالاجتراح وعمل الصالحات ، ويكون الإيمان في الفريقين ، ولهذا بكى الخائفون . .
{ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } : هو كقوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ } ، وتقدم إعرابه في البقرة . وقال ابن عطية : هنا ما مصدرية ، والتقدير : ساء الحكم حكمهم . { بِالْحَقّ } : بأن خلقها حق ، واجب لما فيه من فيض الخيرات ، وليدل عليه دلالة الصنعة على الصانع . { * ولتجزي } : هي لام كي معطوفة على بالحق ، لأن كلاًّ من التاء واللام يكونان للتعليل ، فكان الخلق معللاً بالجزاء . وقال الزمخشري : أو على معلل محذوف تقديره : ليدل بها على قدرته ، { بِالْحَقّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ } . وقال ابن عطية : ويحتمل أن تكون لام الصيرورة ، أي فصار الأمر منها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون ، لأن يجازي كل واحد بعمله ، وبما اكتسب من خير أو شر . انتهى . { أَفَرَأَيْتَ } الآية ، قال مقاتل : نزلت في الحرث بن قيس السهمي ، وأفرأيت : هو بمعنى أخبرني ، والمفعول الأول هو : { مَنِ اتَّخَذَ } ، والثاني محذوف تقديره بعد الصلاة التي لمن اهتدى ، يدل عليه قوله بعد : { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ } ، أي لا أحد يهديه من بعد إضلال الله إياه . { مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ } : أي هو مطواع لهوى نفسه ، يتبع ما تدعوه إليه ، فكأنه يعبده ، كما يعبد الرجل إلهه . قال ابن جبير ، إشارة إلى الأصنام : إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة . وقال قتادة : لا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لا يخاف الله ، فلهذا يقال : الهوى إله معبود . وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر : آلهة ، بتاء التأنيث ، بدل من هاء الضمير . وعن الأعرج أنه قرأ : آلهة على الجمع . قال ابن خالويه : ومعناه أن أحدهم كان يهوى الحجر فيعبده ، ثم يرى غيره فيهواه ، فيلقى الأول ، فكذلك قوله : { إِلَاهَهُ هَوَاهُ } الآية . وإن نزلت في هوى الكفر ، فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة . قال ابن عباس : ما ذكر الله هوى إلاّ ذمه . وقال وهب : إذا شككت في خبر أمرين ، فانظر أبعدهما من هواك فأته . وقال سهل التستري : هواك داؤك ، فإن خالفته فدواؤك . وفي الحديث : ( والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) . ومن حكمه الشعر قول عنترة ، وهو جاهلي :