@ 34 @ وفخامة نفسه بأن قال : أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا ، كائناً من لدنا ، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا ، كذا قال الزمخشري . وقال : وفي قراءة زيد بن علي : { أَمْراً مّنْ عِنْدِنَا } ، على هو أمراً ، وهي نصب على الاختصاص ومقبولاً له ، والعامل أنزلنا ، أو منذرين ، أو يفرق ، ومصدراً من معنى يفرق ، أي فرقاً من عندنا ، أو من أمرنا محذوفاً وحالاً ، قيل : من كل ، والذي تلقيناه من أشياخنا أنه حال من أمر ، لأنه وصف بحكيم ، فحسنت الحال منه ، إلا أن فيه الحال من المضاف إليه ، وهو ليس في موضع رفع ولا نصب ، ولا يجوز . وقيل : من ضمير الفاعل في أنزلناه ، أي أمرني . وقيل : من ضمير المفعول في أنزلناه ، أي في حال كونه أمراً من عندنا بما يجب أن يفعل . والظاهر أن من عندنا صفة لأمراً ، وقيل : يتعلق بيفرق . .
{ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } : لما ذكر إنزال القرآن ، ذكر المرسل ، أي مرسلين الأنبياء بالكتب للعباد . فالجملة المؤكدة مستأنفة . وقيل : يجوز أن يكون بدلاً من { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } . وجوزوا في رحمة أن يكون مصدراً ، أي رحمنا رحمة ، وأن يكون مفعولاً له بأنزلناه ، أو ليفرق ، أو لأمراً من عندنا . وأن يكون مفعولاً بمرسلين ؛ والرحمة توصف بالإرسال ، كما وصفت به في قوله : { وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } . والمعنى على هذا : أنا نفصل في هذه الليلة كل أمر ، أو تصدر الأوامر من عندنا ، لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا . وقرأ زيد بن علي ، والحسن : رحمة ، بالرفع : أي تلك رحمة من ربك ، التفاتاً من مضمر إلى ظاهر ، إذ لو روعي ما قبله ، لكان رحمة منا ، لكنه وضع الظاهر موضع المضمر ، إيذاناً بأن الربوبية تقتضي الرحمة على المربوبين . وقرأ ابن محيصن ، والأعمش ، وأبو حيوة ، والكوفيون : { رَبّ * السَّمَاوَاتِ } ، بالخفض بدلاً من ربك ؛ وباقي السبعة ، والأعرج ، وابن أبي إسحاق ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالرفع على القطع ، أي هو رب . وقرأ الجمهور : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ } ، برفعهما ؛ وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، والحسن ، وأبو موسى عيسى بن سليمان ، وصالح الناقط ، كلاهما عن الكسائي : بالجر ؛ وأحمد بن جبير الأنطاكي : ربكم ورب ، بالنصب على المدح ، وهم يخالفون بين الإعراب ، الرفع والنصب ، إذا طالت النعوت . وقوله : { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، تحريك لهم بأنكم تقرون بأنه تعالى خالق العالم ، وأنه أنزل الكتب ، وأرسل الرسل رحمة منه ، وأن ذلك منكم من غير علم وإيقان . ولذلك جاء : { بَلْ هُمْ فِى شَكّ يَلْعَبُونَ } ، أي في شك لا يزالون فيه يلعبون . فإقرارهم ليس عن حد ولا تيقن . .
{ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } . قال علي بن طالب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد الخدري ، وزيد بن علي ، والحسن : هو دخان يجيء يوم القيامة ، يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين ، حتى تكون مصقلة حنيذة . وقال ابن مسعود ، وأبو العالية ، والنخعي : هو الدخان الذي رأته قريش . قيل لعبد الله : إن قاصاً عند أبواب كندة يقول إنه دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ أنفاس الناس ، فقال : من علم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم . ألا وسأحدثكم أن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، دعا عليهم فقال : ( اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) ، فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف ، والعلهز . والعلهز : الصوف يقع فيه القراد فيشوى الصوف بدم القراد ويؤكل . وفيه أيضاً : حتى أكلوا العظام . وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان ، وكان يحدث الرجل فيسمع الكلام ولا يرى المحدث من الدخان . فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه ، وناشده الله والرحم ، وواعدوه ، إن دعا لهم وكشف عنهم ، أن يؤمنوا . فلما كشف عنهم ، رجعوا إلى شركهم . وفيه : فرحمهم النبي صلى الله عليه وسلم ) ، وبعث إليهم بصدقة ومال . وفيه : فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عز وجل : { يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا