@ 22 @ { وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ } : { بِالسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن الثَّمَرَاتِ } و { الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ } ، وذلك عقاب لهم ، وآيات لموسى { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن كفرهم . قال الزمخشري : لعلهم يرجعون ، أراد أن يرجعوا عن الكفر إلى الإيمان . فإن قلت : لو أراد رجوعهم لكان . قلت : إرادته فعل غيره ، ليس إلا أن يأمره به ويطلب منه إيجاده ، فإن كان ذلك على سبيل القسر وجد ، والإداريين أن يوجد وبين أن لا يوجد على اختيار المكلف ، وإنما لم يكن الرجوع ، لأن الإرادة لم تكن قسراً ولم يختاروه . انتهى ، وهو على طريق الاعتزال . وقال ابن عطية : لعلهم ، ترجّ بحسب معتقد البشر وظنهم . .
{ وَقَالُواْ يأَيُّهَا * أَيُّهَ * السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ } : أي في كشف العذاب . قال الجمهور : هو خطاب تعظيم ، لأن السحر كان علم زمانهم ، أو لأنهم استصحبوا له ما كانوا يدعون به أولاً ، ويكون قولهم : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } : إخبار مطابق مقصود ، وقيل : بل خطاب استهزاء وانتقاص ، ويكون قولهم : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ، أي على زعمك ، وقوله : و { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } : إخبار مطابق على شرط دعائه ، وكشف العذاب وعهد معزوم على نكثه . ألا ترى : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } ؟ وعلى القول الأول يكون قوله : { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } جارياً على أكثر عادة الناس ، إذا مسه الضر تضرع ودعا ، وإذا كشف عنه رجع إلى عادته الأولى ، كقوله : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } ، ثم إذا كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه . وقوله : { بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } ، محتمل أن يكون من أن دعوتك مستجابة ، وفي الكلام حذف ، أي فدعا موسى ، فكشف { فَلَمَّا كَشَفْنَا } . وقرأ أبو حيوة : ينكثون ، بكسر الكاف . .
{ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ } : جعل القوم محلاً للنداء ، والظاهر أنه نادى عظماء القبط في محله الذي هو وهم يجتمعون فيه ، فرفع صوته فيما بينهم لتنتشر مقالته في جميع القبط . ويجوز أن يكون أمر بالنداء ، فأسند إليه . وسبب ندائه ذلك ، أنه لما رأى إجابة الله دعوة موسى ورفع العذاب ، خاف ميل القوم إليه ، فنادى : { قَالَ يَاءادَمُ * قَوْمٌ * أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } ، أراد أن يبين فضله على موسى بملك مصر ، وهي من إسكندرية إلى أسوان . { وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ } : أي الخلجان التي تجري من النيل ، وأعظمها : نهر الملك ، ونهر طولون ، ونهر دمياط ، ونهر تنيس . والواو في { وَهَاذِهِ الاْنْهَارُ } واو الحال ، وتجري خبر . وهذه والأنهار صفة ، أو عطف بيان . وجوز أن تكون الواو عاطفة على ملك مصر ، وتجري حال . من تحتي : أي من تحت قهري وملكي . وقال قتادة : كانت جنانها وأنهارها تجري من تحت قصره . وقيل : كان له سرير عظيم ، وقطع من نيل مصر قطعة قسمها أنهاراً تجري من تحت ذلك السرير . وأبعد الضحاك في تفسيره الأنهار بالقواد والرؤساء الجبابرة ، يسيرون تحت لوائه . ومن فسرها بالأموال ، يعرفها من تحت يده . ومن فسرها بالخيل فقيل : كما سمى الفرس بحراً يسمي نهراً . وهذه الأقوال الثلاثة تقرب من تفاسير الباطنية . .
{ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } عظمتي وقدرتي وعجز موسى ؟ وقرأ مهدي بن الصفير : يبصرون ، بياء الغيبة ؛ ذكره في الكامل للهذلي ، والسباعي ، عن يعقوب ، ذكره ابن خالويه . قال الزمخشري : وليت شعري كيف ارتقت إلى دعوى الربوبية همة من تعاظم بملك مصر ؟ وعجب الناس من مدى عظمته ، وأمر فنودي بها في أسواق مصر وأزقتها ، لئلا تخفى تلك الأبهة والجلالة على صغير ولا كبير حتى يتربع في صدور الدهماء مقدار عزته وملكوته . وكسر نون { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } ، عيسى . وعن الرشيد ، أنه لما قرأها قال : لأولينها أحسن عبيدي ، فولاها الخصيب ، وكان على وضوئه . وعن عبد الله بن طاهر أنه وليها فخرج إليها ، فلما شارفها ووقع عليها قال : أهي القرية التي افتخر بها فرعون حتى قال : { أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } ؟ والله لهي أقل عندي من أن أدخلها ، فثنى عنانه . { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَاذَا الَّذِى هُوَ مَهِينٌ } : الظاهر أنها أم المنقطعة المقدرة ببل والهمزة ، أي بل أنا خير . وهو إذا استفهم أهو خير ممن هو ضعيف ؟ لا يكاد يفصح عن مقصوده إذا تكلم ، وهو الملك المتحكم فيهم ، قالوا له : بلا شك أنت خير . وقال السدي وأبو عبيدة : أم بمعنى بل ، فيكون انتقل من ذلك الكلام إلى إخباره بأنه خير ممن ذكر ، كقول الشاعر :