@ 467 @ وموسى هو الثاني عنده . .
{ وَقَفَّيْنَا } : هذه الياء أصلها الواو ، إلا أنها متى وقعت رابعة أبدلت ياء ، كما تقول : غزيت من الغزو ، والتضعيف الذي في قفينا ليس للتعدية ، إذ لو كان للتعدية لكان يتعدى إلى اثنين ، لأن قفوت يتعدّى إلى واحد . تقول : قفوت زيداً ، أي تبعته ، فلو جاء على التعدية لكان : وقفيناه من بعده الرسل ، وكونه لم يجىء كذلك في القرآن ، يبعد أن تكون الباء زائدة في المفعول الأول ، ويكون المفعول الثاني جاء محذوفاً . ألا ترى إلى قوله : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىءاثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } ، ولكنه ضمن معنى جئنا ، كأنه قال : وجئنا من بعده بالرسل ، يقفو بعضهم بعضاً ، ومن في : { مِن بَعْدِهِ } : لابتداء الغاية ، وهو ظاهر ، لأنه يحكى أن موسى لم يمت حتى نبىء يوشع . { بِالرُّسُلِ } : أرسل الله على أثر موسى رسلاً وهم : يوشع ، وشمويل ، وشمعون ، وداود ، وسليمان ، وشعيا ، وأمريا ، وعزير ، وحزقيل ، وإلياس ، وأليسع ويونس ، وزكريا ، ويحيى ، وغيرهم . والباء في بالرسل متعلق بقفينا ، والألف واللام يحتمل أن تكون للجنس الخاص ، ويحتمل أن تكون للعهد ، لما استفيد من القرآن وغيره أن هؤلاء بعثوا من بعده ، ويحتمل أن تكون التقفية معنوية ، وهي كونهم يتبعونه في العمل بالتوراة وأحكامها ، ويأمرون باتباعها والبقاء على التزامها . وقرأ الجمهور : بالرسل بضم السين . وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر : بتسكينها ، وقد تقدم أنهما لغتان ، وواقهما أبو عمرو أن أضيف إلى ضمير جمع نحو : رسلهم ورسلكم ورسلنا ، استثقل توالي أربع متحركات ، فسكن تخفيفاً . .
{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } : أضاف عيسى إلى أمه رداً على اليهود فيما أضافوه إليه . { الْبَيِّنَاتُ } : وهي الحجج الواضحة الدالة على نبوّته ، فيشمل كل معجزة أوتيها عيسى عليه السلام ، وهذا هو الظاهر . وقيل : الإنجيل . وقيل : الحجج التي أقامها الله على اليهود . وقيل : إبراء الأكمه والأبرص ، والإخبار بالمغيبات ، وإحياء الموتى ، وهم أربعة : سام بن نوح ، والعازر ، وابن العجوز ، وبنت العشار ، ومن الطير : الخفاش ، فقيل : لم يكن من قبل عيسى ، بل هو صورة ، والله نفخ فيه الروح . وقيل : كان قبله ، فوضع عيسى على مثاله . قالوا : وإنما اختص هذا النوع من الطير لأنه ليس شيء من الطير أشد خلقاً منه ، لأنه لحم كله . وأجمل الله ذكر الرسل ، وفصل ذكر عيسى ، لأن من قبله كانوا متبعين شريعة موسى ، وأما عيسى فنسخ شرعه كثيراً من شرع موسى . .
{ وَأَيَّدْنَاهُ } : قرأ الجمهور على وزن فعلناه . وقرأ مجاهد ، والأعرج ، وحميد ، وابن محيصن ، وحسين ، عن أبي عمرو : أأيدناه ، على وزن : أفعلناه . وتقدم الكلام على ذلك في المفردات ، وفرق بعضهم بينهما فقال : أما المد فمعناه القوة ، وأما القصر فالتأييد والنصر ، والأصح أنهما بمعنى قويناه ، وكلاهما من الأيد ، وهو القوة . { بِرُوحِ الْقُدُسِ } : قراءة الجمهور : بضم القاف والدّال . وقرأ مجاهد : وابن كثير : بسكون الدال حيث وقع ، وفيه لغة فتحها . وقرأ أبو حيوة : القدوس ، بواو . والروح هنا : اسم الله الأعظم الذي كان به عيسى عليه السلام يحيي الموتى ، قاله ابن عباس ، أو الإِنجيل ، كما سمى الله القرآن روحاً ، قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا } قاله ابن زيد ، أو الروح التي نفخها تعالى في عيسى عليه السلام ، أو جبريل عليه السلام ، قاله قتادة والسدّي والضحاك والربيع ، ونسب