@ 499 @ الله ، { وَمَا لَهُم مّنَ * مَّحِيصٍ } في موضع نصب ، لأن يعلم معلقة ، كقولك : علمت ما زيد قائم . وقال ابن عطية في قراءة النصب ، وهذه الواو ونحوها التي تسميها الكوفيون واو الصرف ، لأن حقيقة واو الصرف التي يريدونها عطف فعل على اسم مقدر ، فيقدر أن ليكون مع الفعل بتأويل المصدر ، فيحسن عطفه على الاسم . انتهى . وليس قوله تعليلاً لقولهم واو الصرف ، إنما هو تقرير لمذهب البصريين . وأما الكوفيون فإن واو الصرف ناصبة بنفسها ، لا بإضمار أن بعدها . وقال أبو عبيد على الصرف كالذي في آل عمران : { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ، ومعنى الصرف أنه كان على جهة ، فصرف إلى غيرها ، فتغير الإعراب لأجل الصرف . والعطف لا يعين الاقتران في الوجود ، كالعطف في الأسم ، نحو : جاء زيد وعمرو . ولو نصب وعمرو اقتضى الاقتران ؛ وكذلك واو الصرف ، ليفيد معنى الاقتران ويعين معنى الاجتماع ، ولذلك أجمع على النصب في قوله : { وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } ، أي ويعلم المجاهدين والصابرين معاً . .
عن عليّ ، رضي الله عنه ، اجتمع لأبي بكر رضي الله عنه مال ، فتصدق به كله في سبيل الله والخير ، فلامه المسلمون وخطأه الكافرون ، فنزلت : { فَمَا أُوتِيتُمْ مّن شَىْء } ، والظاهر أنه خطاب للناس . وقيل : للمشركين ، وما شرطية مفعول ثان لأوتيتم ، ومن شيء بيان لما ، والمعنى : من شيء من رياش الدنيا ومالها والسعة فيها ، والفاء جواب الشرط ، أي فهو متاع ، أي يستمتع في الحياة . { وَمَا عِندَ اللَّهِ } : أي من ثوابه وما أعد لأوليائه ، { خَيْرٌ وَأَبْقَى } مما أوتيتم ، لأنه لا انقطاع له . وتقدم الكلام في الكبائر في قوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } ، في النساء . وقرأ الجمهور : { كَبَائِرَ } جمعاً هنا ، وفي النجم ، وحمزة ، والكسائي : بالإفراد . .
{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ } : عطف على { الَّذِينَ كَفَرُواْ } ، وكذلك ما بعده . ووقع لأبي البقاء وهم في التلاوة ، اعتقد أنها الذين يجتنبون بغير واو ، فبنى عليه الإعراب فقال : الذين يجتنبون في موضع جر بدلاً من الذين آمنوا ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار ، أعني : وفي موضع رفع على تقديرهم . انتهى . والعامل في إذا يغفرون ، وهي جملة من مبتدأ وخبر معطوف على يجتنبون ، ويجوز أن يكون هم توكيداً للفاعل في غضبوا . وقال أبو البقاء : هم مبتدأ ، ويغفرون الخبر ، والجملة جواب إذا . انتهى ، وهذا لا يجوز ، لأن الجملة لو كانت جواب إذا لكانت بالفاء ، تقول : إذا جاء زيد فعمرو منطلق ، ولا يجوز حذف الفاء إلا إن ورد في شعر . وقيل : هم مرفوع بفعل محذوف يفسره يغفرون ، ولما حذف ، انفصل الضمير ، وهذا القول فيه نظر ، وهو أن جواب إذا يفسر كما يفسر فعل الشرط بعدها ، نحو : { إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ } ، ولا يبعد جواز ذلك على مذهب سيبويه ، إذ جاء ذلك في أداة الشرط الجازمة ، نحو : إن ينطلق زيد ينطلق ، فزيد عنده فاعل بفعل محذوف يفسره الجواب ، أي ينطلق زيد ، منع ذلك الكسائي والفراء . وقال الزمخشري : هم يغفرون ، أي هم الأخصاء بالغفران ، في حال الغضب لا يغول الغضب أحلامهم ، كماي غول حلوم الناس . والمجيء لهم وإيقاعه مبتدأ ، وإسناد يغفرون إليه لهذه الفائدة . انتهى ، وفيه حض على كسر الغضب . وفي الحديث : ( أوصني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب ، قال : زدني ، قال : لا تغضب ) . .
{ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمْ } ، قيل : نزلت في الأنصار ، دعاهم الله للإيمان به وطاعته فاستجابوا له . وكانوا قبل الإسلام ، وقبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) المدينة ، إذا نابهم أمر تشاوروا ، فأثنى الله عليهم ، لا ينفردون بأمر حتى يجتمعوا عليه . وعن الحسن : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم . انتهى . وفي الشورى اجتماع الكلمة والتحاب والتعاضد على الخير . وقد شاور الرسول عليه السلام فيما يتعلق بمصالح الحروب والصحابة بعده في ذلك ، كمشاورة عمر للهرمز . وفي الأحكام ، كقتال أهل الردّة ، وميراث الحربي ، وعدد مدمني الخمر ، وغير ذلك . والشورى مصدر كالفتيا بمعنى التشاور ، على حذف مضاف ، أي وأمرهم ذو شورى بينهم . و { هُمْ يَنتَصِرُونَ } : صلة للذين ، وإذا معمولة لينتصرون ، ولا يجوز أن يكون { هُمْ يَنتَصِرُونَ } جواباً لإذا ، والجملة الشرطية وجوابها صلة لما ذكرناه من لزوم الفاء ، ويجوز هنا أن يكون هم فاعلاً بفعل محذوف على ذلك القول الذي قيل في { هُمْ يَغْفِرُونَ } . وقال الحوفي : وإن شئت