@ 493 @ شرعوا يحتمل أن يعود على الشركاء ، ولهم عائد على الكفار ، لما كانت سبباً لضلالهم وافتتانهم جعلت شارعة لدين الكفر ، كما قال إبراهيم عليه السلام : { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ النَّاسِ } . واحتمل أن يعود على الكفار ، ولهم عائد على الشركاء ، أي شرع الكفار لأصنامهم ومعبوداتهم ، أي رسموا لهم غواية وأحكاماً في المعتقدات ، كقولهم : إنهم آلهة ، وإن عبادتهم تقربهم إلى الله ؛ ومن الأحكام البحيرة والوصيلة والحامي وغير ذلك . { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ } : أي العدة بأن الفصل في الآخرة ، أو لولا القضاء بذلك لقضي بين المؤمن والكافر ، أو بين المشركين وشركائهم . وقرأ الجمهور : { إِنَّ الظَّالِمِينَ } ، بكسر الهمزة على الاستئناف والإخبار ، بما ينالهم في الدنيا من القتل والأسر والنهب ، وفي الآخرة النار . وقرأ الأعرج ، ومسلم بن جندب : وأن بفتح الهمزة عطفاً على كلمة الفصل ، فهو في موضع رفع ، أي ولولا كلمة الفصل وكون الظالمين لهم عذاب في الآخرة ، لقضي بينهم في الدنيا وفصل بين المتعاطفين بجواب لولا ، كما فصل في قوله : { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } . .
{ تَرَى الظَّالِمِينَ } : أي تبصر الكافرين لمقابلته بالمؤمنين ، { مُشْفِقِينَ } : خائفين الخوف الشديد ، { مِمَّا كَسَبُواْ } من السيآت ، { وَهُوَ } : أي العذاب ، أو يعود على ما كسبوا على حذف مضاف : أي وبال كسبوا من السيآت ، أو جزاؤه حال بهم ، { وَهُوَ وَاقِعٌ } : فإشفاقهم هو في هذه الحال ، فليسوا كالمؤمنين الذين هم في الدنيا مشفقون من الساعة . ولما كانت الروضات أحسن ما في الجنات وأنزهها وفي أعلاها ، ذكر أن المؤمنين فيها . واللغة الكثيرة تسكين الواو في روضات ، ولغة هذيل بن مدركة فتح الواو إجراء للمعتل مجرى الصحيح نحو جفنات ، ولم يقرأ أحد ممن علمناه بلغتهم . وعند ظرف ، قال الحوفي : معمول ليشاءون . وقال الزمخشري : منصوب بالظرف لا يشاءون . انتهى ، وهو الصواب . ويعني بالظرف : الجار والمجرور ، وهو لهم في الحقيقة غير معمول للعامل في لهم ، والمعنى : ما يشاءون من النعيم والثواب ، مستقر لهم . { عِندَ رَبّهِمْ } : والعندية عندية المكانة والتشريف ، لا عندية المكانة . .
وقرأ الجمهور : { يُبَشّرُ } بتشديد الشين ، من بشر ؛ وعبد الله بن يعمر ، وابن أبي إسحق ، والجحدري ، والأعمش ، وطلحة في رواية ، والكسائي ، وحمزة : يبشر ثلاثياً ؛ ومجاهد ، وحميد بن قيس : بضم الياء وتخفيف الشين من أبشر ، وهو معدى بالهمزة من بشر اللازم المكسور الشين . وأما بشر بفتحها فتعد ، وبشر يالتشديد للتكثير لا للتعدية ، لأن المتعدي إلى واحد ، وهو مخفف ، لا يعدى بالتضعيف إليه ؛ فالتضعيف فيه للتكثير لا للتعدية . { ذالِكَ } : إشارة إلى ما أعد لهم من الكرامة ، وهو مبتدأ خبره الموصول والعائد عليه محذوف ، أي يبشر الله به عباده . وقال الزمخشري : أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده . انتهى . ولا يظهر الوجه ، إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشري ، ولا ما يدل عليها من تبشير أو شبهه . ومن النحويين من جعل الذي مصدرية ، حكاه ابن مالك عن يونس ، وتأويل عليه هذه الآية ، أي ذلك تبشير الله عباده ، وليس بشيء ، لأنه إثبات للاشتراك بين مختلفي الحد بغير دليل . وقد ثبتت اسمية الذي ، فلا يعدل عن ذلك بشيء لا تقوم به دليل ولا شبهة . .
{ قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى } . روي أنه اجتمع المشركون في مجمع لهم ، فقال بعضهم لبعض : أترون محمداً يسأل أجراً على ما يتعاطاه ؟ فنزلت . وروي أن الأنصار أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بمال جمعوه وقالوا : يا رسول الله ، هدانا الله بك ، وأنت ابن أختنا ، وتعروك حقوق وما لك سعة ، فاستعن بهذا على ما ينو بك ، فنزلت الآية ، فردّه . وقيل : الخطاب متوجه إلى قريش حين جمعوا له مالاً وأرادوا أن يرشوه عليهم على أن يمسك عن سب آلهتهم ، فلم يفعل ، ونزلت . فالمعنى : ( لا أسألكم مالاً ولا رياسة ، ولكن أسألكم أن ترعوا حق قرابتي وتصدقوني فيما جئتكم به ، وتمسكوا عن أذيتي وأذية من تبعني ) ، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد وأبو مالك والشعبي وغيرهم . .
قال الشعبي : أكثر الناس علينا في هذه الآية ، فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها ، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كان أوسط الناس في قريش ، ليس بطن من بطونهم إلا وقد