@ 482 @ وناسب ذكر أحوال المشركين في ذلك اليوم ، وسؤالهم سؤال الوتبيخ فقال : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِى } : أي الذين نسبتموهم إليّ وزعمتم أنهم شركاء لي ، وفي ذلك تهكم بهم وتقريع . والضمير في يناديهم عام في كل من عبد غير الله ، فيندرج فيه عباد الأوثان . { قَالُواْ ءاذَنَّاكَ } : أي أعلمناك ، قال الشاعر : % ( آذنتنا ببينها أسماء % .
رب ثاو يملّ منه الثواء .
) % .
.
وقال ابن عباس : أسمعناك ، كأنه استبعد الإعلام لله ، لأن أهل القيامة يعلمون أن الله يعلم الأشياء علماً واجباً ، فالإعلام في حقه محال . والظاهر أن الضمير في قالوا عائد على المنادين ، لأنهم المحدث معهم . { مَا مِنَّا } أحد اليوم ، وقد أبصرنا وسمعنا . يشهد أن لك شريكاً ، بل نحن موحدون لك : وما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم ، لا يبصرونها في ساعة التوبيخ . وقيل : الضمير في قالوا عائد على الشركاء ، أي قالت الشركاء : { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ * بِمَا } أضافوا إلينا من الشرك ، وآذناك معلق لأنه بمعنى الإعلام . والجملة من قوله : { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } في موضع المفعول . وفي تعليق باب أعلم رأينا خلافه ، والصحيح أنه مسموع من كلام العرب . والظاهر أن قولهم : { ءاذَنَّاكَ } إنشاء ، كقولك : أقسمت لأضربن زيداً ، وإن كان إخباراً سابقاً ، فتكون إعادة السؤال توبيخاً لهم . { وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ } : أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة ، أو { وَضَلَّ عَنْهُم } : أي تلفت أصنامهم وتلاشت ، فلم يجدوا منها نصراً ولا شفاعة ، { وَظَنُّواْ } : أي أيقنوا . قال السدي : { مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ } : أي من حيدة ورواغ من العذاب . والظاهر أن ظنوا معلقة ، والجملة المنفية في موضع مفعولي ظنوا . وقيل : تم الكلام عند قوله : { وَظَنُّواْ } ، أي وترجح عندهم أن قولهم : { مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ } منجاة لهم ، أو أمر يموهون به . والجملة بعد ذلك مستأنفة ، أي يكون لهم منجماً ، أو موضع روغان . .
{ لاَّ يَسْئَمُ الاْنْسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ } : هذه الآيات نزلت في كفار ، قيل : في الوليد بن المغيرة ؛ وقيل : في عتبة بن ربيعة ، وكثير من المسلمين يتصفون بوصف أولها من دعاء الخير ، أي من طلب السعة والنعمة ودعاء مصدر مضاف للمفعول . وقرأ عبد الله : من دعاء بالخير ، بباء داخلة على الخير ، وفاعل المصدر محذوف تقديره : من دعاء للخير ، وهو وإن مسه الشر ، أي الفقر والضيق ، { فَيَئُوسٌ } : أي فهو يؤوس قنوط ، وأتى بهما صيغتي مبالغة . واليأس من صفة القلب ، وهو أن يقطع رجاءه من الخير ؛ والقنوط : أن يظهر عليه آثار اليأس فيتضاءل وينكسر . وبدأ بصيغة القلب لأنها هي المؤثرة فيما يظهر على الصورة من الإنكسار . { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مّنَّا } : سمي النعمة رحمة ، إذ هي من آثار رحمة الله . { مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَاذَا لِى } : أي بسعيي واجتهادي ، ولا يراها أنها من الله ، أو هذا لي لا يزول عني . { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً } : أي ظننا أننا لا نبعث ، وأن ما جاءت به الرسل من ذلك ليس بواقع ، كما قال تعالى حكاية عنهم : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } . .
{ وَلَئِن رُّجّعْتُ إِلَى رَبّى } : ولئن كان كما أخبرت الرسل ، { إِنَّ لِى عِندَهُ } : أي عند الله ، { لَلْحُسْنَى } : أي الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة ، كما أنعم عليّ في الدنيا ، وأكدوا ذلك باليمين وبتقديم لي عنده على اسم إن ، وتدخل لام التأكيد عليه أيضاً ، وبصيغة الحسنى يؤنث الأحسن الذي هو أفعل التفضيل . ولم يقولوا للحسنة ، أي الحالة الحسنة . وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم : للكافر أمنيتان ، أما في الدنيا فهذه { إِنَّ لِى عِندَهُ لَلْحُسْنَى } ، وأما في الآخرة { الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُراباً } . { فَلَنُنَبّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا * عَلِمُواْ } من الأفعال السيئة ، وذلك كناية عن جزائهم بأعمالهم السيئة . { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } في مقابلة { إِنَّ لِى عِندَهُ } . وكني بغليظ : العذاب عن شدته . { خَسَارًا وَإِذَا أَنْعَمْنَا } : تقدم الكلام على نظيره هذه الجملة في { سُبْحَانَ } ، إلا أن في أواخر تلك كان يؤوساً ، وآخر هذه { فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ } : أي فهو ذو دعاء بإزالة الشر عنه وكشف ضره . والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة . يقال : أطال فلان في الظلم ، وأعرض في الدعاء إذا كثر ، أي فذو تضرع واستغاثة . وذكر تعالى في هذه الآية نوعاً من طغيان الإنسان ، إذا أصابه الله بنعمة أبطرته النعمة ، وإذا مسه الشر ابتهل إلى الله وتضرع . .
{ قُلْ * قُلْ إِن كَانَ } : أي القرآن ، { مِنْ عِندِ اللَّهِ } : أبرزه في صورة الاحتمال ، وهو