@ 472 @ عباس ، كما كنى عن النكاح بالسر . { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الجرائم . ثم سألوا جلودهم عن سبب شهادتها عليهم ، فلم تذكر سبباً غير أن الله تعالى أنطقها . .
ولما صدر منها ما صدر من العقلاء ، وهي الشهادة ، خاطبوها بقولهم : { لِمَ شَهِدتُّمْ } ؟ مخاطبة العقلاء . وقرأ زيد بن علي : لم شهدتن ؟ بضمير المؤنثات ؟ و { كُلّ شَىْء } : لا يراد به العموم ، بل المعنى : كل ناطق بما ذلك له عادة ، أو كان ذلك فيه خرق عادة . وقال الزمخشري : أراد بكل شيء : كل شيء من الحيوان ، كما أراد به في قوله : { وَاللَّهُ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } ، من المقدورات . والمعنى : أن نطقنا ليس بعجب من قدرة الله الذي قدر على إنطاق كل حيوان ، وعلى خلقكم وإنشائكم ، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه ، وإنما قالوا لهم : { لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } لتعاظمهم من شهادتها وكبر عليهم من الافتضاح على ألسنة جوارحهم . وقال الزمخشري أيضاً : فإن قلت : كيف تشهد عليهم أبصارهم وكيف تنطق ؟ قلت : الله عز وجل ينطقها ، كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلام . انتهى ، وهذا الرجل مولع بمذهبه الاعتزالي ، يدخله في كل ما يقدر أنه يدخل . وإنما أشار بقوله : كما أنطق الشجرة بأن يخلق فيها كلاماً إلى أن الله تعالى لم يكلم موسى حقيقة ، وإنما الشجرة هي التي سمع منها الكلام بأن يخلق الله فيها كلاماً خاطبته به عن الله تعالى . والظاهر أن قوله : وما كنتم تستترون من كلام الجوارح ، قيل : ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى توبيخاً لهم ، أو من كلام ملك يأمره تعاليه . و { أَن يَشْهَدَ } : يحتمل أن يكون معناه : خيفة أو لأجل أن يشهد إن كنتم غير عالمين بأنها تشهد ، { وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ } ، فانهمكتم وجاهدتم ، وإلى هذا نحا مجاهد ، والستر يأتي في هذا المعنى ، كما قال الشاعر : % ( والستر دون الفاحشات وما % .
يلقاك دون الخير من ستر .
) % .
.
ويحتمل أن يكون معناه : عن أن يشهد ، أي وما كنتم تمتنعون ، ولا يمكنكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها بكفركم ومعاصيكم ، ولا تظنون أنها تصل بكم إلى هذا الحد من الشهادة عليكم ، وإلى هذا نحا السدي ، أو ما كنتم تتوقعون بالاختفاء والستر أن يشهد عليكم ، لأن الجوارح لزيمة لكم . وعبر قتادة عن تستترون بتظنون ، أي وما كنتم تظنون أن يشهد ، وهذا تفسير من حيث المعنى لا من حيث مرادفة اللفظ ، { وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً } ، وهو الخفيات من أعمالكم ، وهذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله . { وَذَلِكُمْ } : إشارة إلى ظنهم أن الله لا يعلم كثيراً من أعمالهم ، وهو مبتدأ خبره { أَرْدَاكُمْ } ، و { ظَنُّكُمُ } بدل من { ذالِكُمْ } أي وظنكم بربكم ذلكم أهلككم . وقال الزمخشري : وظنكم وأرداكم خبران . وقال ابن عطية : أرداكم يصلح أن يكون خبراً بعد خبر . انتهى . ولا يصح أن يكون ظنكم بربكم خبراً ، لأن قوله : { وَذَلِكُمْ } إشارة إلى ظنهم السابق ، فيصير التقدير : وظنكم بأن ربكم لا يعلم ظنكم بربكم ، فاستفيد من الخبر ما استفيد من المبتدأ ، وهو لا يجوز ؛ وصار نظير ما منعه النحاة من قولك : سيد الجارية مالكها . وقال ابن عطية : وجوز الكوفيون أن يكون معنى أرداكم في موضع الحال ، والبصريون لا يجيزون وقوع الماضي حالاً إلا إذا اقترن بقد ، وقد يجوز تقديرها عندهم إن لم يظهر . انتهى . وقد أجاز الأخفش من البصريين وقوع الماضي حالاً بغير تقدير قد وهو الصحيح ، إذ كثر ذلك في لسان العرب كثرة توجب القياس ، ويبعد فيها التأويل ، وقد ذكرنا كثرة الشواهد على ذلك في كتابنا المسمى ( بالتذييل والتكميل في شرح التسهيل ) . .
{ فَانٍ } : خطاب للنبي عليه السلام ، قيل : وفي الكلام حذف تقديره : أولاً يصبروا ، كقوله : { اصْلَوْهَا فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاء عَلَيْكُمْ } ، وذلك في يوم القيامة . وقيل : التقدير : فإن يصبروا على ترك دينك واتباع أهوائهم ، { فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } : أي مكان إقامة . وقرأ الجمهور : { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ } مبنياً للفاعل ، { فَمَا هُم مّنَ الْمُعْتَبِينَ } : اسم مفعول . قال الضحاك : إن يعتذروا فما هم من المعذورين ؛ وقيل : وإن طلبوا العتبى ، وهي الرضا ، فما هم ممن يعطاها ويستوجبها . وقرأ الحسن ، وعمرو بن عبيد ،