@ 463 @ الذين ماضية لفظاً ومعنى . ومع هذين الأمرين لا يجوز دخول الفاء في الجملة الواقعة خبراً . والتخفيف هو التسهيل ، وقد حمل نفي التخفيف على الانقطاع ، وحمل أيضاً على التشديد . والأولى جملة على نفي التخفيف بالانقطاع ، أو بالتقليل منه ، أو في وقت ، أو في كل الأوقات ، لأنه نفي للماهية ، فيستلزم نفي أشخاصها وصورها . والظاهر من النفي بلا والكثير فيها أنخ نفي في المستقبل ، وقد فسر الزمخشري نفي التخفيف بأن ذلك في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا بنقصان الجزية ، وكذلك نفى النصر في الدنيا والآخرة . ومعنى نفى النصر : أنهم لا يجدون من يدفع عنهم ما حل بهم من عذاب الله . .
{ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } : جملة إسمية معطوفة على جملة فعلية ، ويجوز أن تكون فعلية وتكون المسأل من باب الاشتغال ، فيكون هم مرفوعاً بفعل محذوف يفسره ما بعده ، على حدّ قوله : .
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها .
.
ويقوي هذا الوجه ويحسنه كونه تقدم قوله : { فَلاَ يُخَفَّفُ } ، وهو جملة فعلية ، إذ لولا تقدّم الجملة الفعلية لكان الأرجح الرفع على الابتداء ، وذلك أن لا ليست مما تطلب الفعل ، لا اختصاصاً ولا أولوية ، فتكون كان والهمزة خلافاً لأبي محمد بن السيد ، إذ زعم أن الحمل على الفعل فيما دخلت عليه لا ، أولى من الابتداء ، وبناء الفعل للمفعول أولى من بنائه للفاعل ، لأنه أعم ، إلا إن جعل الفاعل عاماً ، فيكون ولا هم ينصرهم أحد ، فكان يفوت بذلك اختتام الفواصل بما اختتمت به قبل وبعد ، ويفوت الإيجاز ، مع أن قوله : { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } يفيد ذلك ، أعني العموم . .
وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة أخبار الله تعالى ، أنه أخذ الميثاق على بني إسرائيل بإفراد العبادة ، والإحسان إلى الوالدين ، وإلى ذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وبالقول الحسن للناس ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وأنهم نقضوا الميثاق بتوليهم وإعراضهم ، وأنه أخذ عليهم أن لا يسفكوا دماءهم ، ولا يخرجون أنفسهم من ديارهم ، وأنهم أقروا والتزموا ذلك . فكان الميثاق الأول يتضمن الأوامر ، والميثاق الثاني يتضمن النواهي ، لأن التكاليف الإلهية مبنية على الأوامر والنواهي . وكان البدء بالأوامر آكد ، لأنها تتضمن أفعالاً ، والنواهي تتضمن تروكاً ، والأفعال أشق من التروك . وكان من الأوامر الأمر بإفراد الله بالعبادة ، وهو رأس الإيمان ، إذ متعلق أشرف المتعلقات ، فكان البدء به أولى . ثم نعى عليهم التباسهم بما نهوا عنه ، وإن كان قد تقدم أخباره أنهم خالفوا في الأمر بقوله : { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } ، لأن فعل المنهيات أقبح من ترك المأمورات ، لأنها تروك كما ذكرنا . ثم قرّعهم بمخالفة نواهي الله ، وأنهم مستعينون في ذلك بغير الحق ، بل بالإثم والعدوان . ثم ذكر تناقض آرائهم وسخف عقولهم ، بفداء من أتى إليهم منهم ، مع أنهم هم السبب في إخراجهم وأسرهم ، مع علمهم بتحريم إخراجهم ، وبذكر أنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض . هذا مع أنه كله حق وصدق ، فلا يناسب ذلك الكفر ببعض ، والإيمان ببعض . ثم ذكر أن الجزاء لفاعل ذلك هو الخزي في الدنيا ، وأشد العذاب في الآخرة ، وأن الله تعالى لا يغفل عما عملوه ، فيجازيهم على ذلك . ثم أشار إلى من تحلى بهذه الأوصاف الذميمة ، وخالف أمر الله ونهيه ، هو قد اشترى عاجلاً تافهاً بآجل جليل ، وآثر فانياً مكدراً على باق صاف . وأن نتيجة هذا الشراء أن لا يخفف عنهم ما حل بهم من العذاب ، ولا يجدوا ناصراً يدفع عنهم سوء العقاب . لقد خسروا تجارة ، وبدلوا بالنعيم السرمدي ناراً وقودها الناس والحجارة . وإذا كان التخفيف قد نفى ، فالرفع أولى . وهل هذا إلا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى ؟ . .
2 ( { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَءَاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ * وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ