@ 433 @ ( سقط : الآية كاملة ) .
لما ذكر جدال الكفار في آيات الله وعصيانهم ، ذكر طاعة هؤلاء المصطفين من خلقه ، وهم حمله العرش ، { وَمَنْ حَوْلَهُ } ، وهم الحافون به من الملائكة . وذكروا من وصف تلك الجملة وعظم خلقهم ، ووصف العرش ، ومن أي شيء خلق ، والحجب السبعينيات التي اختلفت أجناسها ، قالوا : احتجب الله عن العرش وعن حامليه ، والله أعلم به على أن قدرته تعالى محتملة لكل ما ذكروه مما لا يقتضي تجسيماً ، لكنه يحتاج إلى نقل صحيح . وقرأ الجمهور : { الْعَرْشِ } بفتح العين ؛ وابن عباس وفرقة : بضمها ، كأنه جمع عرش ، كسقف وسقف ، أو يكون لغة في العرش . .
{ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ } : أي ينزهونه عن جميع النقائص ، { بِحَمْدِ رَبّهِمْ } : بالثناء عليه بأنه المنعم على الإطلاق . والتسبيح : إشارة إلى الإجلال ؛ والتحميد : إشارة إلى الإكرام ، فهو قريب من قوله : { تَبَارَكَ اسْمُ رَبّكَ ذِى الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ } ، ونظيره : { وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ } ؛ وقولهم : ونحن نسبح بحمدك . { وَيُؤْمِنُونَ } : أي ويصدقون بوجوده تعالى وبما وصف به نفسه من صفاته العلا ، وتسبيحهم إياه يتضمن الإيمان . قال الزمخشري : فإن قلت : ما فائدة قوله : { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } ، ولا يخفى على أحد أن حملة العرش ومن حوله من الملائكة الذين يسبحون بحمده مؤمنون ؟ قلت : فائدته إظهار شرف الإيمان وفضله والترغيب فيه ، كما وصف الأنبياء في غير موضع من كتابة بالصلاح لذلك ، وكما عقب أعمالهم الخير بقوله : { ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ } ، فأبان بذلك فضل الإيمان . وفائدة أخرى ، وهي التبيه على أن الأمر لو كان كما تقول المجسمة ، لكان حملة العرش ومن حوله مشاهد بن معاينين ، ولما وصفوا بالإيمان لأنه إنما يوصف بالإيمان الغائب . ولما وصفوا به على سبيل الثناء عليهم ، علم أن إيمانهم وإيمان من في الأرض وكل من غاب عن ذلك المقام سواء في أن إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير ، وأنه لا طريق إلى معرفته إلا هذا ، وأنه منزه عن صفات الإجرام . .
وقد روعي التناسب في قوله : { وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } ، كأنه قيل : ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم وصفتهم ، وفيه تنبيه على أن الإشتراك في الإيمان يجب أن يكون أدعى شيء إلى النصيحة ، وأبعثه على إمحاض الشفقة ، وإن تفاوتت الأجناس وتباعدت الأماكن ، فإنه لا تجانس بين ملك وانسان ، ولا بين سماء وأرض قط ثم لما جاء جامع الإيمان ، جاء معه التجانس الكلي والتناسب الحقيقي ، حتى استغفر من حول العرش لمن فوق الأرض ، قال تعالى : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الاْرْضِ } . انتهى ، وهو كلام حسن . إلا أن قوله : إن إيمان الجميع بطريق النظر والاستدلال لا غير فيه نظر ، وقوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } تخصيص لعموم قوله : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى الاْرْضِ } . وقال مطرف بن الشخير : وجدنا أنصح العباد للعباد الملائكة ، وأغش العباد للعباد الشياطين ، وتلا هذه الآية . انتهى . وينبغي أن يقال : أنصح العباد للعباد الأنبياء والملائكة . { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً } : أي يقولون : ربنا واحتمل هذا المحذوف بياناً ليستغفرون ، فيكون في محل رفع ، وأن يكون حالاً ، فيكون في موضع نصب . وكثيراً ما جاء النداء بلفظ ربنا ورب ، وفيه استعطاف العبد لمولاه الذي رباه وقام بمصالحه من لدن نشأته إلى وقت ندائه ، فهو جدير بأن لا يناديه إلا بلفظ الرب . وانتصب رحمة وعلماً على التمييز ، والأصل : وسعت رحمتك كل شيء ، وعلمك كل شيء ؛ وأسند الوسع إلى صاحبها مبالغة ، كأن ذاته هي الرحمة والعلم ، وقد وسع كل شيء . وقدم الرحمة ، لأنهم بها يستمطرون أحسانه ويتوسلون بها إلى