@ 419 @ لداخل عليه همزة التقرير . ولما كان قوله : { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى } وجوابه متضمناً نفي الهداية ، كأنه قال : ما هداني الله ، فقيل له : { بَلَى قَدْ جَاءتْكَ ءايَاتِى } مرشدة لك ، فكذبت . وقال الزمخشري : رد من الله عليه ومعناه : بلى قد هديت بالوحي . انتهى ، جرياً على قواعد المعتزلة . وقال ابن عطية : وحق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير ، وقوله : { بَلَى } جواب لنفي مقدر ، كأن النفس قالت : فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر ، أو قالت : فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا . انتهى . وليس حق بلى ما ذكر ، بل حقها أن تكون جواب نفي . ثم حمل التقرير على النفي ، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب ، وأجابه بنعم ، ووقع ذلك أيضاً في كلام سيبويه نفسه أن أجاب التقرير بنعم اتباعاً لبعض العرب . وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله : { لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِى } ، ولم يفصل بينهما بآية ؟ قلت : لأنه لا يخلو ، إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن ، وإما أن تؤخر القرينة الوسطى . فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن ؛ وأما الثاني ، فلما فيه من نقض الترتيب ، وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعلل بفقد الهداية . ثم تمنى الرجعة ، فكان الصواب ما جاء عليه ، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب . انتهى ، وهو كلام حسن . .
وقرأ الجمهور : { قَدْ جَاءتْكَ } ، بفتح الكاف وفتح تاء ما بعدها ، خطاباً للكافر ذي النفس . وقرأ ابن يعمر والجحدري ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، ومسعود بن صالح ، والشافعي عن ابن كثير ، ومحمد بن عيسى في اختياره وعن نصير ، والعبسي : بكسر الكاف والتاء ، خطاب للنفس ، وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة ، رضي الله عنهما ، وروتهما أم سلمة عن النبي / صلى الله عليه وسلم ) . وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : جأتك ، بالهمز من غير مد ، بوزن بعتك ، وهو مقلوب من جاءتك ، قدمت لام الكلمة وأخرت العين فسقطت الألف ، كما سقطت في رمت وعرب . ولما ذكر مقالة الكافر ، ذكر ما يعرض له يوم القيامة من الإنذار بسوء منقلبة ، وفي ضمنه وعيد لمعاصريه ، عليه السلام . والرؤية هنا من رؤية البصر ، وكذبهم نسبتهم إليه تعالى البنات والصاحبة والولد ، وشرعهم ما لم يأذن به الله . والظاهر أنه عام في المكذبين على الله ، وخصه بعضهم بمشركي العرب وبأهل الكتابين . وقال الحسن : هم القدرية يقولون : إن شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل . وقال القاضي : يجب حمل الآية على الكل من المجبرة والمشبهة وكل من وصف شئنا فعلنا ، وإن شئنا لم نفعل . وقال القاضي : يجب حمل الآية على الكل من المجبرة والمشبهة وكل من وصف الله بما لا يليق به نفياً وإثباتاً ، فأضاف إليه ما يجب أن لا يضاف إليه ، فالكل كذبوا على الله ؛ فتخصيص الآية بالمجبرة والمشبهة واليهود والنصارى لا يجوز . .
وقال الزمخشري : { كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ } : وصفوه بما لا يجوز عليه ، وهو متعال عنه ، فأضافوا إليه الولد والشريك ، وقالوا : { شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ } ، وقالوا : { لَوْ شَاء الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } ، وقالوا : { وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } ، قوم يسفهونه بفعل القبائح . ويجوز أن يخلق خلقاً لا لغرض ، وقوله : لا لغرض ، ويظلمونه بتكليف ما لا يطاق ، ويجسمونه بكونه مرئياً مدركاً بالحاسة ، ويثبتون له يداً وقدماً وجنباً مستترين بالبلكفة ، ويجعلون له أنداداً بإثباتهم معه قدماً . انتهى ، وكلام من قبله على طريقة المعتزلة . والظاهر أن الرؤية من رؤية البصر ، وأن { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } جملة في موضع الحال ، وفيها رد على الزمخشري ، إذ زعم أن حذف الواو من الجملة الاسمية في موضع المفعول الثاني ، وهو بعيد ، لأن تعلق البصر برؤية الأجسام وألوانها أظهر من تعلق القلب . وقرىء : وجوههم مسودّة بنصبهما ، فوجوههم بدل بعض من كل . وقرأ أبي : أجوههم ، بإبدال الواو همزة ، والظاهر أن الاسوداد حقيقة ، كما مر في قوله : { فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ } . وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون في العبارة تجوز ، وعبر بالسواد عن ارتداد وجوههم وغالب همهم وظاهر كآبتهم . .
ولما ذكر تعالى حال الكاذبين على الله ، ذكر حال المتقين ، أي الكذب على الله وغيره ، مما يؤول بصاحبه إلى اسوداد وجهه ، وفي ذلك الترغيب في هذا الوصف الجليل الذي هو التقوى . قال السدي