@ 416 @ ضر دعا من اشمأز من ذكره دون من استبشر بذكره . ومناسبة السببية أنك تقول : زيد مؤمن ، فإذا مسه الضر التجأ إلى الله . فالسبب هنا ظاهر ، وزيد كافر ، فإذا مسه الضر التجأ إليه ، يقيم كفره مقام الإيمان في جعله سبباً للالتجاء ، يحكي عكس ما فيه الكافر . يقصد بذلك الإنكار والتعجب من فعله المتناقض ، حيث كفر بالله ثم التجأ إليه في الشدائد . .
وأما الآية الأولى فلم تقع مسببة ، بل ناسبت ما قبلها ، فعطفت عليه بالواو ، وإذا كانت فإذا متصلة بقوله : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ } ، كما قلنا ، فما بينهما من الآي اعتراض يؤكد به ما بين المتصلين . فدعاء الرسول ربه بأمر منه وقوله : { أَنتَ تَحْكُمُ } ، وتعقيبه الوعيد ، تأكيد لاشمئزازهم واستبشارهم ورجوعهم إلى الله في الشدائد دون آلهتهم . وقوله : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } يتناول لهم ، أو لكل ظالم ، إن جعل مطلقاً أو إياهم خاصة إن عنوا به . انتهى ، وهو ملتقط أكثره من كلام الزمخشري ، وهو متكلف في ربط هذه الآية بقوله : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ } مع بعدما بينهما من الفواصل . وإذا كان أبو علي الفارسي لا يجيز الاعتراض بجملتين ، فكيف يجيزه بهذه الجمل الكثيرة ؟ والذي يظهر في الربط أنه لما قال : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الآية ، كان ذلك إشعاراً بما ينال الظالمين من شدة العذاب ، وأنه يظهر لهم يوم القيامة من العذاب ما لم يكن في حسابهم ، أتبع ذلك بما يدل على ظلمه وبغيه ، إذ كان إذا مسه دعا ربه ، فإذا أحسن إليه ، لم ينسب ذلك إليه . ثم إنه بعد وصف تلك النعمة أنها ابتلاء وفتنة ، كما بدا له في الآخرة من عمله الذي كان يظنه صالحاً ما لم يكن في حسابه من سوء العذاب المترتب على ذلك العمل ، ترتب الفتنة على تلك النعمة . { وَلَاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } : أي إن ذلك استدراج وامتحان { قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } : أي قال مثل مقالتهم { أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } . والظاهر أن قائلي ذلك جماعة من الأمم الكافرة الماضية ، كقارون في قوله : { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى } . وقيل : الذين من قبلهم هم قارون وقومه ، إذ رضوا بمقالته ، فنسب القول إليهم جميعاً . وقرىء : قد قاله ، أي قال القول أو الكلام . { فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ } : يجوز أن تكون ما نافية ، وهو الظاهر . وأن تكون استفهامية ، فيها معنى النفي . { مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } : أي من الأموال . { وَالَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَؤُلاَء } : إشارة إلى مشركي قريش ، { سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } : جاء بسين الاستقبال التي هي أقل تنفيساً في الزمان من سوف ، وهو خبر غيب ، أبرزه الوجود في يوم بدر وغيره . قتل رؤساءهم ، وحبس عنه الرزق ، فلم يمطروا سبع سنين ؛ ثم بسط لهم ، فمطروا سبع سنين ، فقيل لهم : ألم تعلموا أنه لا قابض ولا باسط إلا الله تعالى ؟ . .
{ قُلْ ياأَهْلَ * عِبَادِى * الَّذِينَ أَسْرَفُواْ } : نزلت في وحشي قاتل حمزة ، قاله عطاء ؛ أو في قوم آمنوا عياش بن ربيعة والوليد بن الوليد ونفر معهما ، ففتنتهم قريش ، فافتتنوا وظنوا أن لا توبة لهم ، فكتب عمر لهم بهذه الآية ، قاله عمر والسدي وقتادة وابن إسحاق . وقيل : في قوم كفار من أهل الجاهلية قالوا : وما ينفعنا الإسلام وقد زنينا وقتلنا النف وأتينا كل كبيرة ؟ ومناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما شدد على الكفار وذكر ما أعد لهم من العذاب ، وأنهم لو كان لأحدهم ما في الأرض ومثله معه لافتدى به من عذاب الله ، ذكر ما في إحسانه من غفران الذنوب إذا آمن العبد ورجع إلى الله . وكثيراً تأتي آيات الرحمة مع آيات النقمة ليرجو العبد ويخاف . وهذه الآية عام في كل كافر يتوب ، ومؤمن عاص يتوب ، تمحو الذنب توبته . وقال عبد الله ، وعلي ، وابن عامر : هذه أرجى آية في كتاب الله . وتقدم الخلاف في قراءة { لاَ تَقْنَطُواْ } في الحجر . .
{ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } : عام يراد به ما سوى الشرك ، فهو مقيد أيضاً بالمؤمن العاصي غير التائب بالمشيئة . وفي قوله : { فِى عِبَادِى } ، بإضافتهم إليه وندائهم ، إقبال وتشريف . و { أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ } : أي بالمعاصي ، والمعنى : إن ضرر تلك الذنوب إنما هو عائد عليهم ، والنهي عن القنوط يقتضي الأمر بالرجاء ، وإضافة الرحمة إلى الله التفات من ضمير المتكلم إلى الاسم الغائب ، لأن في إضافتها إليه سعة للرحمة إذا أضيفت إلى الله الذي هو أعظم الأسماء ، لأنه العلم المحتوي على معاني جميع الأسماء . ثم أعاد الاسم الأعظم ، وأكد الجملة بأن مبالغة في