@ 355 @ وحي كاليقظة ، وذكره له الرؤيا تجسير على احتمال تلك البلية العظيمة . وشاوره بقوله : { فَانظُرْ مَاذَا تَرَى } ، وإن كان حتماً من الله ليعلم ما عنده من تلقي هذا الامتحان العظيم ، ويصبره إن جزع ، ويوطن نفسه على ملاقاة هذا البلاء ، وتسكن نفسه لما لا بد منه ، إذ مفاجأة البلاء قبل الشعور به أصعب على النفس ، وكان ما رآه في المنام ولم يكن في اليقظة ، كرؤيا يوسف عليه السلام ، ورؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) دخول المسجد الحرام ، ليدل على أن حالتي الأنبياء يقظة ومناماً سواء في الصدق متظافرتان عليه . قيل : إنه حين بشرت الملائكة بغلام حليم قال : هو إذن ذبيح الله . فلما بلغ حد السعي معه قيل له : أوف بنذرك . قيل : رآى ليلة التروية قائلاً يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا . فلما أصبح ، روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح . أمن الله هذا الحلم ، فمن ثم سمي يوم التروية . فلما أمس رأى مثل ذلك ، فعرف أنه من الله ، فمن ثم سمي يوم عرفة . ثم رأى مثله في الليلة الثالثة ، فهمّ بنحرة ، فسمي يوم النحر . .
وقرأ الجمهور : { تَرَى } ، بفتح التاء والراء ؛ وعبد الله ، والأسود بن يزيد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، ومجاهد ، وحمزة ، والكسائي : بضم التاء وكسر الراء ؛ والضحاك ، والأعمش أيضاً بضم التاء وفتح الراء . فالأول من الرأي ، والثاني ماذا ترينيه وما تبديه لأنظر فيه ؟ والثالث ما الذي يخيل إليك ويوقع في قلبك ؟ وانظر معلقة ، وماذا استفهام . فإن كانت ذا موصولة بمعنى الذي ، فما مبتدأ ، والفعل بعد ذا صلة . وإن كانت ذا مركبة ، ففي موضع نصب بالفعل بعدها . والجملة ، واسم الاستفهام الذي هو معمول للفعل بعده في موضع نصب لانظر . ولما كان خطاب الأب { أَوْ بَنِى } ، على سبيل الترحم ، قال : هو { * يا أبت } ، على سبيل التعظيم والتوقير . { قَالَ ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ } : أي ما تؤمره ، حذفه وهو منصوب ، وأصله ما تؤمر به ، فحذف الحرف ، واتصل الضمير منصوباً ، فجاز حذفه لوجود شرائط الحذف فيه . وقال الزمخشري : أو أمرك ، على إضافة الصدر إلى المفعول الذي لم يسم فاعله ، وفي ذلك خلاف ؛ هل يعتقد في المصدر العامل أن يجوز أن يبني للمفعول ، فيكون ما بعده مفعولاً لم يسم فاعله ، أم يكون ذلك ؟ { سَتَجِدُنِى إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } : كلام من أوتي الحلم والصبر والامتثال لأمر الله ، والرضا بما أمر الله . .
{ فَلَمَّا أَسْلَمَا } : أي لأمر الله ، ويقال : استسلم وسلم بمعناه . وقرأ الجمهور : أسلما . وقرأ عبد الله ، وعلي ، وابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وجعفر بن محمد ، والأعمش ، والثوري : سلما : أي فوضا إليه في قضائه وقدره . وقرىء : استسلما ، ثلاث قراءات . وقال قتادة في أسلما : أسلم هذا ابنه ، وأسلم هذا نفسه ، فجعل أسلما متعدياً ، وغيره جعله لازماً بمعنى : انقاذ الأمر الله وخضعا له . { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } : أي أوقعه على أحد جنبيه في الأرض مباشراً الأمر بصبر وجلد ، وذلك عند الصخرة التي بمنى ؛ وعن الحسن : في الموضع المشرف على مسجد منى ؛ وعن الضحاك : في المنحر الذي ينحر فيه اليوم . وجواب لما محذوف يقدر بعد { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } ، أي أجز لنا أجرهما ، قاله بعض البصريين ؛ او بعد { الرُّءيَا } ، أي كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما الله على ما أنعم به إلى ألفاظ كثيرة ذكرها الزمخشري على عادته في خطابته ؛ أو قبل { وَتَلَّهُ } تقديره : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ } . قال ابن عطية : وهو قول الخليل وسيبويه ، وهو عندهم كقول امرىء القيس : .
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحي .
وقال الكوفيون : الجواب مثبت ، وهو : { وَنَادَيْنَاهُ } على زيادة الواو . وقالت فرقة : هو { وَتَلَّهُ } على زيادة الواو . وذكر