@ 318 @ الصيحة لم يتأخر . وكنى بالخمود عن سكوتهم بعد حياتهم كنار خمدت بعد توقدها . ونداء الحسرة على معنى هذا وقت حضورك وظهورك هذا تقدير نداء مثل هذا عند سيبوية . وهو منادى منكور على قراءة الجمهور . وقرأ أبي وابن عباس وعلي بن الحسين والضحاك ومجاهد والحسن ( يا حسرة العباد ) على الإضافة ، فيجوز أن تكون الحسرة منهم على ما فاتهم . ويجوز أن تكون الحسرة من غيرهم عليهم لما فاتهم من أتباع الرسل حين أحضروا للعذاب ، وطباع البشر تتأثر عند معانيه عذاب غيرهم وتتحسر عليهم . وقرأ أبو الزناد وعبد الله بن ذكوان المدني وابن هرمز وابن جندب ( يا حسره على العباد ) بسكون الهاء في الحالين . حمل فيه الوصل على الوقف . ووقفوا على الهاء مبالغة في التحسر لما في الهاء من التأهة كالتأوة ثم وصلوا على تلك الحال ، قاله صاحب اللوامح ، وقال بانب خالوية ' ( يا حسرة على العباد ) بغير تنوين قاله ابن عباس ' . انتهى ووجهه أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف التي هي بدل من ياء المتكلم في النداء كما اجتزأ بالكسرة عن الياء فيه . وقد قرىء ( يا حسرتا ) بالألف أي : يا حسرتي . ويكون من الله على سبيل الآستعارة في معنى تعظيم ما جنوه على أنفسهم وفرط إنكاره وتعجيبه منه . والظاهر : أن العباد هم مكذبو الرسل تحسرت عليهم الملائكة . قاله الضحاك ، وقال الضحاك أيضا : ' المعنى . يا حسرة الملائكة على عبادنا الرسل حتى لم ينفعهم الإيمان لهم ' وقال ا [ و العالية : ' المراد بالعباد : الرسل الثلاثة . وكأن هذا التحسر هو من الكفار حين رأوا عذاب اللله تلهفوا على ما فاتهم . قال ابن عطية : ' وقوله ( ما يأتيهم ) الآية بدفع هذا التأويل ' . انتهى قال الزجاج : ' الحسرة : أمر يركب الإنسان من كثرة الندم على ما لا نهاية له حتى يبقى حسيرا ' . وقيل : المنادى محذوف . وانتصب ( حسرة ) على المصدر . أي : يا هؤلاء تحسروا حسرة . وقيل : ( يا حسرة على العباد ) من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لما وثب القوم لقتله . وقيل : هو من قول الرسل الثلاثة ، قالوا ذلك حين قتلوا ذلك الرجل ، وحل بهم العذاب ، قالوا يا حسرة على هؤلاء ، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا ' . انتهى . فالألف واللام للعهد إذا قلنا : إن العباد المراد بهم الرسل الثلاثة أو من أرسلوا إليه ، وهم الهالكون بسبب كفرهم وتكذيبهم إياهم . والظاهر أنها لتعريف جنس الكفار المكذبين . وتلخص : أن المتحسر الملائكة ، أو الله تعالى ، أو المؤمنون ، أو الرسل الثلاثة ، أو ذلك الرجل . أقوال ( ما يأتيهم ) إلى آخر الآية . تمثيل لقريش ، وهم الذين عاد عليهم الضمير في قوله ( ألم يروا كم أهلكنا ) ، قال ابن عطية : ' و ( كم ) هنا خبرية و ( أنهم ) بدل منها ، والرؤية رؤية البصر ' . انتهى . فهذا لا يصح لأنها إذا كانت خبرية فهي في موضع نصب ب ( أهلكنا ) ولا يسوغ فيها ، إلا ذلك . وإذا كان كذلك امتنع لأن يكون ( أنهم ) بدل منها لأن البدل على نية تكرار العامل ولو سلطت ( أهلكنا ) على ( أنهم ) لم يصح . ألا ترى أنك لو قلت . أهلكنا انتفاء رجوعهم أو أهلكنا كونهم لا يرجعون . لم يكن كلاما ، لكن ابن عطية توهم أن ( يروا ) مفعوله ( كم ) فتوهم أن قولهم ( أنهم لا يرجعون ) بدل لأنه يسوغ أن يتسلط عليه ، فتقول : ألم يروا أنهم لا يرجعون . وهذا وأمثاله دليل على ضعفه في علم العربية . وقال الزجاج : ' هو بدل من الجملة . والمعنى : ألم يروا أن القرون التي أهلكناها إليهم لا يرجعون ، لأن عدم الرجوع والهلاك بمعنى النهي ' . وهذا الذي قاله الزجاج ليس بشيء ، لأنه ليس بدلا صناعيا . وإنما فسر المعنى ولم يلحظ صنعة النحو . وقال أبو البقاء : ' أنهم إليهم انتهى . وليس بشيء ، لأن ( كم ) ليس بمعمول ل ( يروا ) ونقل عن الفراء أنه يعمل ( يروا ) في الجملتين من غير إبدال وقولهم في الجملتين تجوز لأن ( أنهم ) وما بعده ليس بجملة ولم يبين كيفية هذا العمل . وقال الزمخشري : ( ألم يروا ) ألم يعلموا وهو معلق عن العمل في ( كم ) لا يعمل فيها عامل قبلها ، كانت للاستفاهم أو للخبر ، لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناها نافذ في الجملة . كما نفذ في قولك : الم يروا أن زيدا لمنطلق . وإن لم تعمل في لفظه و ( أنهم إليهم لا يرجعون ) بدل من ( أهلكنا ) على المعنى لا على اللفظ تقديره : ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين