@ 315 @ واحتج عليهم بقوله ( اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون ) أي : وهم على هدى من الله . أمرهم أولا باتباع المرسلين . أي : هم رسل الله إليكم ، فاتبعوهم . ثم أمرهم ثانيا بجملة جامعة في الترغيب في كونهم لا ينقص منهم من حطام دنياهم شيء ، وفي كونهم يهتدون بهداهم فيشتملون على خيري الدنيا والاخرة . وقد أجاز بعض النحويين في ( من ) أن تكون بدلا من ( المرسلين ) ظهر فيه العامل كما ظهر فيه إذا كان حرف جر كقوله تعالى : ! 2 < لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم > 2 ! [ الزخرف : 33 ] والجمهور لا يعربون ما صرح فيه بالعامل الرافع والناصب بدلا ، بل يجعلون ذلك مخصوصا بحرف الجر ، وإذا كان الرافع والناصب سموا ذلك بالتتبيع لا بالبدل ، وفي قوله ( اتبعوا من لا يسألكم أجرا ) دليل على نقص من يأخذ أجرا على شيء من أفعال الشرع التي هي لازمة كالصلاة . ولما أمرهم باتباع المرسلين أخذ يبدي الدليل في اتباعهم وعبادة الله فأبرزه في صورة نصحه لنفسه ، وهو يريد نصحهم ليتلطف بهم ويراد بهم ، ولأنه أدخل في امحاض النصح حيث لا يريد لهم إلا مل يريد لنفسه فوضع قوله ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) موضع ( ومالكم لا تعبدون الذي فطركم ، ولذلك قال ( وإليه ترجعون ) ولولا أنه قصد ذلك لقال وإليه أرجع . ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبا لنفسه ، فقال ( أأتخذ من دونه ى لهة ) قاصرة عن كل شيء لا تنفع ولا تضر ، فإن أرادكم الله بضر وشفعت لكم لم تنفع شفاعتهم ، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه . أولا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع ، ثم ثانيا بانتفاء القدرة فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه إذ هو نتيجته . وفتح ياء المتكلم في ( يردني ) مع طلحة السمان . كذا في كتاب ابن عطية . وفي كتاب ابن خالوية طلحة بن مطرف ، وعيسى الهمداني ، وأبو جعفر ، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو . وقال الزمخشري : ' وقرىء ( إن يردني الرحمن بضر ) بمعنى ان يجعلني موردا للضر . انتهى . وهذا والله أعلم رأي في كتب القراءات ( يردني ) بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديا بالياء المعدية كالهمزة ، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين . والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطا ونطقا لالتقاء الساكنين . قال في كتاب ابن خالوية : ' بفتح ياء الإضافة ' ، وقال في اللوامح : ( إن يردني الرحمن ) بالفتح وهو أصل الياء عند البصرية ، ولكن هذه محذوفة يعني البصرية . أي المثبتة بالخط البربري بالبصر لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطا ولفظا فلا ترى بالبصر ' . ( إني إذا ) إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح . ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق فقال مخاطبا لقومه ( إني آمنت بربكم ) أي : الذي كفرتم به ( فاسمعون ) أي : اسمعوا قولي وأطيعون . فقد نبهتكم على الحق ، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم ، وإليه مرجعكم ، والظاهر : أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو وهو لقومه . والأمر على جهة المبالغة والتنبيه ، قاله ابن عباس وكعب ووهب . وقيل : خاطب بقوله ( فاسمعون ) الرسل على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم . وقيل : الخطاب في ( بربكم ) وفي ( فاسمعون ) للرسل لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك ، أي : اسمعوا إيماني واشهدوا لي به . ( قيل ادخل الجنة ) ظاهرة : أنه أمر حقيقي . وقيل : معناه وجبت لك الجنة فهو خبر بأنه قد استحق دخولها ، ولا يكون إلا بعد البعث , ولم يأت في القرآن أنه قتل فقال الحسن : ' لما أراد قومه قتله رفعه الله غلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاك الجنة فإذا أعاد الله الجنة دخلها ' . وقيل : لما قال ذلك رفعوه إلى الملك فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في