@ 179 @ الأصل الحكيم قابله ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فبانقلابه مرفوعاً بعد الجر استكن في الصفة المشبهة . وقرأ الجمهور : { هُدًى وَرَحْمَةً } ، بالنصب على الحال من الآيات ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، قاله الزمخشري وغيره ، ويحتاج إلى نظر . وقرأ حمزة ، والأعمش ، والزعفراني ، وطلحة ، وقنبل ، من طريق أبي الفضل الواسطي : بالرف ، خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر بعد خبر ، على مذهب من يجيز ذلك . { لّلْمُحْسِنِينَ } : يعملون الحسنات ، وهي التي ذكرها ، كإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والإيقان بالآخرة ، ونظيره قول أوس : % ( الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا % .
حكي عن الأصمعي أنه سئل عن الألمعي فأنشده ولم يزد ، وخص المحسنون ، لأنهم هم الذين انتفعوا به ونظروه بعين الحقيقة . وقيل : الذين يعملون بالحسن من الأعمال ، وخص منهم القائمون بهذه الثلاث ، لفضل الاعتداد بها . ومن صفة الإحسان ما جاء في الحديث من أن الإحسان : ( أن تعبد الله كأنك تراه ) . وقيل : المحسنون : المؤمنون . وقال ابن سلام : هم السعداء . وقال ابن شجرة : هم المنجحون . وقيل : الناجون ، وكرر الإشارة إليهم تنبيهاً على عظم قدرهم . ولما ذكر من صفات القرآن الحكمه ، وأنه هدى ورحمة ، وأن متبعه فائز ، ذكر حال من يطلب من بدل الحكمة باللهو ، وذكر مبالغته في ارتكابه حتى جعله مشترياً له وباذلاً فيه رأس عقله ، وذكر علته وأنها الإضلال عن طريق الله . .
ونزلت هذه الآية في النضر بن الحارث ، كان يتجر إلى فارس ، ويشتري كتب الأعاجم ، فيحدث قريشاً بحديث رستم واسفندار ويقول : أنا أحسن حديثاً . وقيل : في ابن خطل ، اشترى جارية تغني بالسب ، وبهذا فسر { لَهْوَ الْحَدِيثِ } : المعازف والغناء . وفي الحديث من رواية أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال : ( شراء المغنيات وبيعهم حرام ) ، وقرأ هذه الآية . وقال الضحاك : { لَهْوَ الْحَدِيثِ } : الشرك . وقال مجاهد ، وابن جريج : الطبل ، وهذا ضرب من آلة الغناء . وقال عطاء : الترهات . وقيل : السحر . وقيل : ما كان يشتغل به أهل الجاهلية من السباب . وقال أيضاً : ما شغلك عن عبادة الله ، وذكره منالسحر والأضاحيك والخرافات والغناء . وقال سهل : الجدال في الدين والخوض في الباطل ، والظاهر أن الشراء هنا مجاز عن اختيار الشيء ، وصرف عقله بكليته إليه . فإن أريد به ما يقع عليه الشراء ، كالجواري المغنيات عند من لا يرى ذلك ، وككتب الأعاجم التي اشتراها النضر ؛ فالشراء حقيقة ويكون على حذف ، أي من يشتري ذات لهو الحديث . وإضافة لهو إلى الحديث هي لمعنى من ، لأن اللهو قد يكون من حديث ، فهو كباب ساج ، والمراد بالحديث : الحديث المنكر . وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، كأنه قال : ومن الناس من يشتري بعض الحديث الذي هو اللهو منه . انتهى . .
وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : { لِيُضِلَّ } بفتح الياء ، وباقي السبعة : بضمها . قال الزمخشري : فإن قلت : القراءة بالرفع بينة ، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح ؟ قلت : معنيان ، أحدهما : ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ، ولا يصدق عنه ، ويزيد فيه ويمده بأن المخذول كان شديد الشكيمة قد عداوة الدين وصد الناس عنه . والثاني : أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالاً لا محالة ، فدل بالرديف على المردوف . فإن قلت : قوله بغير علم ما معناه