@ 167 @ الذي قد يردع متبع الهوى . { فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ } : أي لا أحد يهدي من أضله الله ، أي هؤلاء ممن أضلهم الله ، فلا هادي لهم . وقال الزمخشري : من أضل الله : من خذله الله ولم يلطف به ، لعلمه أنه ممن لا لطف له ممن يقدر على هداية مثله . { وَمَا لَهُم مّن نَّاصِرِينَ } : دليل على أن المراد بالإضلال الخذلان . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال . .
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ } : فقوم وجهك له وعد له غير ملتفت ، وهو تمثيل لإقباله على الدين واستقامته عليه وثباته واهتمامه بأسبابه . فإن من اهتم بالشيء ، عقد عليه طرفه وقوم له وجهه مقبلاً به عليه ، والدين دين الإسلام . وذكر الوجه ، لأنه جامع حواس الإنسان وأشرفه . و { حَنِيفاً } : حال من الضمير في أقم ، أو من الوجه ، أو من الدين ، ومعناه : مائلاً عن الأديان المحرفة المنسوخة . { فِطْرَةَ اللَّهِ } : منصوب على المصدر ، كقوله : { صِبْغَةَ اللَّهِ } ، وقيل : منصوب بإضمار فعل تقديره : التزم فطرة الله . وقال الزمخشري : الزموا فطرة الله ، أو عليكم فطرة الله . وإنما أضمرت على خطاب الجماعة لقوله : { مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ } ، ومنيبين حال من الضمير في الزموا . وقوله : { وَأَقِيمُواْ } ، { وَلاَ تَكُونُواْ } ، معطوف على هذا المضمر . انتهى . وقيل : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ } ، المراد به : فأقيموا وجوهكم ، وليس مخصوصاً بالرسول وحده ، وكأنه خطاب لمفرد أريد به الجمع ، أي : فأقم أيها المخاطب ، ثم جمع على المعنى ، لأنه لا يراد به مخاطب واحد . فإذا كان هذا ، فقوله : { مُّنِيبِينَ } ، { وَأَقِيمُواْ } ، { وَلاَ تَكُونُواْ } ملحوظ فيه معنى الجمع . وقول الزمخشري : أو عليكم فطرة الله لا يجوز ، لأن فيه حذف كلمة الإغراء ، ولا يجوز حذفها ، لأنه قد حذف الفعل وعوض عليك منه . فلو جاء حذفه لكان إجحافاً ، إذ فيه حذف العوض والمعوض منه . .
والفطرة ، قيل : دين الإسلام ، والناس مخصوصون بالمؤمنين . وقيل : العهد الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم نسماً من ظهره ورجح الحذاق . إنها القابلية التي في الطفل للنظر في مصنوعات الله ، والاستدلال بها على موجده ، فيؤمن به ويتبع شرائعه ، لكن قد عتعرض له عوارض تصرفه عن ذلك ، كتهويد أبويه له ، وتنصيرهما ، إغواء شياطين الإنس والجن . .
{ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } : أي لا تبديل لهذه القابلية من جهة الخالق . وقال مجاهد ، وابن جبير ، والضحاك ، والنخعي ، وابن زيد : لا تبديل لدين الله ، والمعنى : لمعتقدات الأديان ، إذ هي متفقة في ذلك . وقال الزمخشري : أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير . وقال ابن عباس : لا تبديل لقضاء الله بسعادتهم وشقاوتهم ، وقيل : هو نفي معناه : النهي ، أي لا تبدلوا ذلك الدين . وقيل : { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } بمعنى : الواحدانية مترشحة فيه ، لا تغير لها ، حتى لو سألته : من خلق السموات والأرض ؟ تقول : الله . ويستغرب ما روي عن ابن عباس أن معنى { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } : النهي عن خصاء الفحول من الحيوان . وقول من ذهب إلى أن المعنى في هذه الجملة ألجأ على الكفرة ، اعترض به أثناء الكلام ، كأنه يقول : أقم وجهك للدين الذي من صفته كذا وكذا ، فإن هؤلاء الكفرة ومن خلق الله لهم الكفر ، و { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } : أي أنهم لا يفلحون ذلك الذي أمرت بإقامة وجهك له ، هو الدين المبالغ في الاستقامة . والقيم : بياء مبالغة ، من القيام ، بمعنى الاستقامة ، ووزنه فعيل ، أصله قيوم كيد ، اجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء فيها ، وهو بناء مختص بالمعتل العين ، لم يجىء منه في الصحيح إلا بيئس وصيقل علم لامرأة . .
{ مُّنِيبِينَ } : حال من { النَّاسِ } ، ولا سيما إذا أريد بالناس : المؤمنون ، أو من الضمير في : الزموا فطرة الله ، وهو تقدير الزمخشري ، أو من الضمير في : { فَأَقِمْ } ، إذ المقصود : الرسول وأمته ، وكأنه حذف معطوف ، أي فأقم وجهك وأمتك . وكذا زعم الزجاج في : { الْحَكِيمُ يأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ } : أي يا أيها النبي والناس ، ودل على ذلك مجيء الحال في { مُّنِيبِينَ } جمعاً ، وفي { إِذَا طَلَّقْتُمُ } جاء الخطاب فيه وفي ما بعده . جمعاً ، أو على خبر كان مضمرة ، أي كونوا منيبين ، ويدل عليه قوله بعد { وَلاَ تَكُونُواْ } ، وهذه احتمالات منقولة كلها . { مِنَ الْمُشْرِكِينَ } : من اليهود والنصارى ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : هم اليهود ؛ وعن أبي هريرة وعائشة : أنهم أهل القبلة ، ولفظة الإشراك على هذا تجوز بأنهم صاروا في دينهم فرقاً . والظاهر أن المشركين : كل من