@ 149 @ هذا مثلهم ، وأن أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية لأقلعوا عنه ، وما اتخذوا الأصنام آلهة . .
وقال الزمخشري : إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت ، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت ، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان ، لو كانوا يعلمون ؛ أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز ، وكأنه قال : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون . ولقائل أن يقول : مثل المشرك الذي يعبد الوثن ، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله ، مثل عنكبوت يتخذ بيتاً ، بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجر وجص أو نحته من صخر . فكما أن أوهن البيوت ، إذا استقريتها بيتاً ، بيت العنكبوت ، كذلك أضعف الأديان ، إذا استقريتها ديناً ديناً ، عبادة الأوثان ، لو كانوا يعلمون . انتهى . .
وما ذكره من قوله : ولقائل أن يقول إلخ . لا يدل عليه لفظ الآية ، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله ، كعادته في كثير من تفسيره . وقرأ أبو عمرو ، وسلام : يعلم ما ، بالإدغام ؛ والجمهور : بالفك ؛ والجمهور : تدعون ، بتاء الخطاب ؛ وأبو عمرو ، وعاصم : بخلاف ، بياء الغيبة ؛ وجوزوا في ما أن يكون مفعولاً بيدعون ، أي يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء ، أي يعلم حالهم ، وأنهم لا قدرة لهم . وأن تكون نافية ، أي لستم تدعون من دونه شيئاً له بال ولا قدر ، فيصلح أن يسمى شيئاً ، وأن يكون استفهاماً ، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء ، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من يعلم ، واعتراض بين يعلم وبين قوله : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . وجوز أبو علي أن يكون ما استفهاماً منصوباً بيدعون ، ويعلم معلقة ؛ فالجملة في موضع نصب بها ، والمعنى : أن الله يعلم أوثاناً تدعون من دونه ، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك . والجملة تأكيد للمثل ، وإذا كانت ما نافية ، كان في الجملة زيادة على المثل ، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئاً . { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } : فيه تجهيل لهم ، حيث عبدوا ما ليس بشيء ، لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلاً ، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئاً إلا لحكمة . { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ } : أي لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها . .
وكان جهلة قريش يقولون : إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ، ويضحكون من ذلك ، وما علموا أن الأمثال والتشبيهات طرق إلى المعاني المحتجبة ، فتبرزها وتصورها للفهم ، كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد . والإشارة بقوله : { وَتِلْكَ الاْمْثَالُ } إلى هذا المثل ، وما تقدم من الأمثال في السور . وعن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، تلا هذه الآية فقال : ( العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ) . .
{ خُلِقَ * السَّمَاوَاتِ وَالاْرْضَ } : فيه تنبيه على صغر قدر الأوثان التي عبدوها . ومعنى { بِالْحَقّ } : بالواجب الثابت ، لا بالعبث واللعب ، إذ جعلها مساكن عباده ، وعبرة ودلائل على عظيم قدرته وباهر حكمته . والظاهر أن الصلاة هي المعهود ، والمعنى : من شأنها أنها إذا أدّيت على ما يجب من فروضها وسننها والخشوع فيها ، والتدبر لما يتلو فيها ، وتقدير المثول بين يدي الله تعالى ، أن { تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ } . وقال ابن عباس ، والكلبي ، وابن جريج ، وحماد بن أبي سليمان : تنهى ما دام المصلي فيها . وقال ابن عمر : الصلاة هنا القرآن . وقال ابن بحر : الصلاة : الدعاء ، أي أقم الدعاء إلى أمر الله ، وأما من تراه من المصلين يتعاطى المعاصي ، فإن صلاته تلك ليست بالوصف الذي تقدم . .
وفي الحديث أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ) ، ولا يدع شيئاً من الفواحش والسرقة إلا ارتكبه ، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : ( إن صلاتها تنهاه ) . فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : ( ألم أقل لكم ؟ ) ولا يدل اللفظ على أن كل صلاة تنهى ، بل المعنى ، أنه يوجد ذلك فيها ، ولا يكون على العموم . كما تقول : فلان يأمر بالمعروف ، أي من شأنه ذلك ، ولا