@ 139 @ المشركون فارتدوا ، وهم الذين قال فيهم : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } . .
{ وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ } : أي للمؤمنين ، { لَّيَقُولَنَّ } : أي القائلون أو ذيناً في الله ، { إِنَّا مَعَكُمْ } : أي متابعون لكم في دينكم ، أو مقاتلون معكم ناصرون لكم ، قاسمونا فيما حصل لكم من الغنائم . وهذه الجملة المقسم عليها مظهرة مغالطتهم ، إذ لو كان إيمانهم صحيحاً ، لصبروا على أذى الكفار ، وإن كانت فيمن هاجر ، وكانوا يحتالون في أمرهم ، وركبوا كل هول في هجرتهم . وقرىء : ليقولن ، بفتح اللام ، ذكره أبو معاذ النحوي والزمخشري . وأعلم : أفعل تفضيل ، أي من أنفسهم ؛ وبما في صدورهم : أي بما تكن صدورهم من إيمان ونفاق ، وهذا إستفهام معناه التقرير ، أي قد علم ما انطوت عليه الضمائر من خير وشر . { وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ } : ظاهر في أن ما قبل هذه الجملة في المنافقين ، كما قال ابن زيد ، وعلمه بالمؤمن ، وعد له بالثواب ، وبالمنافق وعيد له بالعقاب . ولما ذكر حال المؤمنين والمنافقين ، ذكر مقالة الكافرين قولاً واعتقاداً ، وهم رؤساء قريش . قال مجاهد : كانوا يقولن لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن كان عليكم شيء فهو علينا . وقيل : قائل ذلك أبو سفيان بن حرب وأمية بن خلف ، قالا لعمران : كان في الإقامة على دين الآباء إثم ، فنحن نحمله عنك ، وقيل : قائل ذلك الوليد بن المغيرة . قال ابن عطية : وقوله : { وَلْنَحْمِلْ } ، أخبر أنهم يحملون خطاياهم على جهة التشبيه بالنقل ، لكنهم أخرجوه في صيغة الأمر ، لأنها أوجب وأشد تأكيداً في نفس السامع من المجازاة ، ومن هذا النوع قول الشاعر : % ( فقلت ادعى وأدعو فإن أندى % .
لصوت أن ينادي داعيان .
) % .
.
ولكونه خبراً حسن تكذيبهم فيه . وقال الزمخشري : أمروهم باتباع سبيلهم ، وهي طريقتهم التي كانوا عليها في دينهم ، وأمروا أنفسهم بحمل خطاياهم ، فحمل الأمر على الأمر وأرادوا ، ليجتمع هذان الأمران في الحصول ، أن يتبعوا سبيلنا وأن نحمل خطاياكم . والمعنى : تعليق الحمل بالاتباع ، وهذا قول صناديد قريش ، كانوا يقولون لمن آمن منهم : لا نبعث نحن ولا أنتم ، فإن عسى ، كان ذلك فإنا نتحمل عنكم الإثم . انتهى . وقوله : فإن عسى ، كان تركيب أعجمي لا عربي ، لأن إن الشرطية لا تدخل على عسى ، لأنه فعل جامد ، ولا تدخل أدوات الشرط على الفعل الجامد ؛ وأيضاً فإن عسى لا يليها كان ، واستعمل عسى بغير اسم ولا خبر ، ولم يستعملها تامة . وقرأ الحسن ، وعيسى ، ونوح القارىء : ولنحمل ، بكسر لام الأمر ؛ ورويت عن علي ، وهي لغة الحسن ، في لام الأمر . والحمل هنا مجاز ، شبه القيام بما يتحصل من عواقب الإثم بالحمل على الظهر ، والخطايا بالمحمول . وقال مجاهد : نحمل هنا من الحمالة ، لا من الحمل . وقرأ الجمهور : { مِنْ خَطَايَاهُمْ } . وقرأ داود بن أبي هند ، فيما ذكر أبو الفضل الرازي : من خطيئتهم ، على التوحيد ، قال : ومعناه الجنس ، ودل على ذلك اتصافه بضمير الجماعة . وذكر ابن خالويه ، وأبو عمر والداني أن داود هذا قرأ : من خطيآتهم ، بجمع خطيئة جمع السلامة ، بالألف والتاء . وذكر ابن عطية عنه أنه قرأ : من خطئهم ، بفتح الطاء وكسر الياء ، وينبغي أن يحمل كسر الياء على أنها همزة سهلت بين بين ، فأشبهت الياء ، لأن قياس تسهيلها هو ذلك . .
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف سماهم كاذبين ؟ وإنما ضمنوا شيئاً علم الله أنهم لا يقدرون على الوفاء به ، ومن ضمن شيئاً لا يقدر على الوفاء به ، لا يسمى كاذباً ، لا حين ضمن ، ولا حين عجز ، لأنه في الحالين لا يدخل تحت عد الكاذبين ، وهو المخبر عن الشيء ، لا على ما هو عليه ؟ قلت : شبه الله حالهم ، حيث علم أن ما ضمنوه لا طريق لهم إلى أن يفوا به ، فكان ضمانهم عنده ، لا على ما عليه بالكاذبين الذين خبرهم ، لا على ما عليه المخبر عنه . ويجوز أن يريد إنهم كاذبون لأنهم قالوا ذلك وقلوبهم على خلافه ، كالكاذبين الذين يصدقون الشيء ، وفي قلوبهم فيه الخلف . انتهى . وتقدم من قول ابن عطية أن قوله : ولنحمل خبر ، يعني أمراً ، ومعناه الخبر ، وهذان الأمران منزلة الشرط والجزاء ، إذ المعنى : أن تتبعوا سبيلنا ، ولحقكم في ذلك إثم على ما