@ 137 @ يجازيه ، ولكن طمع في عفو الله . وأما قوله : اشتمال صلة أن ، إلى آخره ، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله : { أَن يُتْرَكُواْ } ، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين ، ولم يقدر ما لا يصح تقديره ، وأمّا قوله : ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر ، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد ، والتضمين ليس بقياس ، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه ، وهذا الإجابة إليه . .
{ سَاء مَا يَحْكُمُونَ } ، قال الزمخشري ، وابن عطية ما معناه : أن { مَا } موصولة و { يَحْكُمُونَ } صلتها ، أو تمييز بمعنى شيء ، ويحكمون صفة ، والمخصوص بالذم محذوف ، فالتقدير : أي حكمهم . انتهى . وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء ، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو . وقال ابن كيسان : ما مصدرية ، فتقديره : بئس حكمهم . وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفاً ، أي ساء حكماً حكمهم . وساء هنا بمعنى : بئس ، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بهاما ، والفعل في قوله : { بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ } مشبعاً في البقرة . وجاء بالمضارع ، وهو { يَحْكُمُونَ } ، قيل : إشعاراً بأن حكمهم مذموم حالاً واستقبالاً ، وقيل : لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعاً . والظاهر أن { يَرْجُو } على بابها ، ومعنى { لِقَاء اللَّهِ } : الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء ؛ مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد ، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه ، فإن كان عمل خيراً ، تلقاه بإحسان أو شراً ، فبضد الإحسان . .
{ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ } : وهو ما أجله وجعل له أجلاً ، لا نفسه لا محالة ، فليبادر لما يصدق رجاءه . وقال أبو عبيدة : يرجو : يخاف ، ويظهر أن جواب الشرط محذوف ، أي { مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ } ، فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه ، فإن ما أجله الله تعالى من لقاء جزائه لآت . والظاهر أن قوله : { وَمَن جَاهَدَ } ، معناه : ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات ، فثمرة جهاده ، وهو الثواب المعد له ، إنما هو له ، لا لله ، والله تعالى غني عنه وعن العالمين ، وإنما كلفهم ما كلفهم إحساناً إليهم . { لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ } : يشتمل من كان كافراً فآمن وعمل صالحاً ، فأسقط عنه عقاب ما كان قبل الإيمان من كفر ومعصية ، ومن نشأ مؤمناً عاملاً للصالحات وأساء في بعض أعماله ، فكفر عنه ذلك ، وكانت سيئاته مغمورة بحسناته . { وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى } : أي أحسن جزاء أعمالهم . وقال ابن عطية : فيه حذف مضاف تقديره : ثواب أحسن الذي كانوا يعملون . انتهى . وهذا التقدير لا يسوغ ، لأنه يقتضي أن أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم ، وأما ثواب حسنها فمسكوت عنه ، وهم يجزون ثواب الأحسن والحسن ، إلاّ إن أخرجت أحسن عن بابها من التفضيل ، فيكون بمعنى حسن ، فإنه يسوغ ذلك . وأما التقدير الذي قبله فمعناه : أنه مجزي أحسن جزاء العمل ، فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها ، فجوزي أحسن جزائها ، وهي أن جعلت بعشر أمثالها . وفي هذه الآيات تحريك وهز المن تخلف عن الجهرة أن يبادر إلى استدراك ما فرط فيه منها ، وثناء على المؤمنين الذين بادروا إلى الهجرة ، وتنويه بقدرهم . .
{ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ } ، في جامع الترمذي : إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص ، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت ، أو يكفر . وقيل : في عياش بن أبي ربيعة ، أسلم وهاجر مع عمر ، وكانت أمه شديدة الحب له ، وحلفت على مثل ذلك ، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث ، فشداه وثاقاً حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصد ليراها ، وجلده كل منهما مائة جلدة ، ورداه إلى أمه فقالت : لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد ، في حديث طويل ذكر في السير . { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوالِدَيْهِ } : أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما . وانتصب { حَسَنًا } على أنه مصدر ، وصف به مصدر وصينا ، أي إيصاء حسناً ، أي ذا حسن ، أو على سبيل المبالغة ، أي هو في ذاته حسن . قال ابن عطية : يحتمل أن ينتصب على المفعول ، وفي ذلك تحريض على كونه عاماً لمعان . كما تقول : وصيتك خيراً ، وأوصيتك شراً ؛ وعبر بذلك عن جملة ما قلت له ، ويحسن ذلك دون حرف الجر ، كون حرف الجر في قوله : { بِوالِدَيْهِ } ، لأن المعنى : ووصينا الإنسان بالحسن في قوله مع والده ، ونظير هذا قول الشاعر :