@ 129 @ أراد : { أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ } من الله وتخصيص من لدنه قصدني به ، أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم ، ثم جعل قوله : { عِندِى } ، كما يقول : في معتقدي وعلى ما أراه . وقال مقاتل : { عَلَى عِلْمٍ } ، أي على خير علمه الله عندي . والظاهر أن قوله : { أَوَ لَمْ * يَعْلَمْ } ، تقرير لعلمه ذلك ، وتنبيه على خطئه في اغتراره ؛ أي قد علم أن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى ، لأنه قد قرأه في التوراة ، وأخبر به موسى ، وسمعه في التواريخ ، كأنه قيل : أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم ؟ هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون نعتاً لعلمه بذلك ، لأنه لما قال : { أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِى } ، فتنفح بالعلم وتعظم به ، قيل : أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ؟ وأرى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ، ولم يعلم هذا العلم النافح حتى يقي نفسه مصارع الهالكين . انتهى . { وَأَكْثَرُ جَمْعاً } ، إما للمال ، أو جماعة يحوطونه ويخدمونه . قال ابن عطية : { أَوَ لَمْ * يَعْلَمْ } ، يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه . .
وقرأ الجمهور : { وَلاَ يَسْئَلُ } ، مبنياً للمفعول و { الْمُجْرِمُونَ } : رفع به ، وهو متصل بما قبله ، قاله محمد بن كعب . والضمير في { ذُنُوبِهِمُ } عائد على من أهلك من القرون ، أي لا يسأل غيرهم ممن أجرم ، ولا ممن لم يجرم ، عمن أهلكه الله ، بل : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } . وقيل : أهلك من أهلك من القرون ، عن علم منه بذنوبهم ، فلم يحتج إلى مسألتهم عنها . وقيل : هو مستأنف عن حال يوم القيامة . قال قتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها ، لأنهم يدخلون النار بغير حساب . وقال قتادة أيضاً ، ومجاهد : لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم ، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه ، كقوله : { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } . وقيل : لا يسألون سؤال توبيخ وتفريع . وقرأ أبو جعفر في روايته : ولا تسأل ، بالتاء والجزم ، المجرمين : نصب . وقرأ ابن سيرين ، وأبو العالية : كذلك في ولا تسأل على النهي للمخاطب ، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوّز ذلك إلاّ أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب ، بوقوع الفعل عليه . قال صاحب اللوامح : فالظاهر ما قاله ، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء ، فإن تركاه على رفعه ، فله وجهان : أحدهما : أن تكون الهاء والميم في { عَن ذُنُوبِهِمُ } راجعة إلى ما تقدم من القرون ، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ ، وتقديره : هم المجرمون ، أو أولئك المجرمون ، ومثله { التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ } في التوبة . والثاني : أن يكون بدلاً من أصل الهاء والميم في ذنوبهم ، لأنها ، وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها ، فإن أصلها الرفع ، لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل ؛ فعلى ذلك المجرمون محمول على الأصل ، على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ : { أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } بالجر ، على أنها بدل من أصل ا لمثل ، وما زائدة فيه ، وتقديره : لا يستحي بضرب مثل بعوضة ، أي بضرب بعوضة . في ذلك فسر أن مع الفصل بالمصدر ناصب إلى المفعول به ، ثم أبدل منه البعوضة من غير أن أعرف فيها أثراً لحال . فأما قوله : من ذنوبهم ، فذنوب جمع ، فإن كان جمع مصدر ، ففي إعماله خلاف . وأما قوله على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ ، فقد ذكر في البقرة أنه سمع ذلك ، ولا تعرف فيها أثراً ، فينبغي أن لا يجعلها قراءة . .
ولما ذكر تعالى قارون ونعته ، وما آتاه من الكنوز ، وفرحه بذلك فرح البطرين ، وادعاءه أن ما أوتي من ذلك إنما أوتيه على علم ، ذكر ما هو ناشىء عن التكبر والسرور بما أوتي فقال : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِى زِينَتِهِ } ، وكان يوم السبت : أي أظهر ما يقدر عليه من الملابس والمراكب وزينة الدنيا . قال جابر ، ومجاهد : في ثياب حمر . وقال ابن زيد : هو وحشمه في ثياب معصفرة . وقيل : في ثياب الأرجوان . وقيل : على بغلة شهباء عليها الأرجوان ، وعليها سرج من ذهب ، ومعه أربعة آلاف على زيه . وقيل : عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر ، وعلى يمينه ثلاثمائة غلام ، وعلى يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهم الحلى والديباج . وقيل :