@ 117 @ وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى من الطور ، وكتب الله له في الألواح . والأمر المقضي إلى موسى : الوحي الذي أوحى إليه . والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، يقول : وما كنت حاضراً المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى ، ولا كنت من جملة الشاهدين للوحي إليه ، أو على الوحي إليه ، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات ، حتى نقف من جملة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى في ميقاته ، وكتب التوراة له في الألواح ، وغير ذلك . فإن قلت : كيف يتصل قوله : { وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً } بهذا الكلام ، ومن أي جهة يكون استدراكاً ؟ قلت : اتصاله به وكونه استدراكاً من حيث أن معناه : ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحي إلى عهدك قروناً كثيرة ، فتطاول على آخرهم ، وهو القرن الذي أنت فيهم . .
{ الْعُمُرُ } : أي أمد انقطاع الوحي ، واندرست العلوم ، فوجب إرسالك إليهم ، فأرسلناك وكسبناك العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى ، كأنه قال : وما كنت شاهداً لموسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحيناه إليك ، فذكر سبب الوحي الذي هو إطالة النظرة ، ودل به على المسبب على عادة الله في اختصاره . فإذن ، هذا الاستدراك شبيه للاستدراكين بعده . { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } : أي مقيماً في أهل مدين ، هم شعيب والمؤمنون . { تَتْلُو عَلَيْهِمْ * ءايَاتِنَا } : تقرأ عليهم تعلماً منهم ، يريد الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه . ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها . { إِذْ نَادَيْنَا } ، يريد مناداة موسى ليلة المناجاة وتكليمه ، ولكن علمناك . وقيل : { فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ } ، وفترت النبوة ، ودرست الشرائع ، وحرف كثير منها ؛ وتمام الكلام مضمر تقديره : وأرسلناك مجدداً لتلك الأخبار ، مميزاً للحق بما اختلف فيه منها ، رحمة منا . وقيل : يحتمل أن يكون المعنى : وما كنت من الشاهدين في ذلك الزمان ، وكانت بينك وبين موسى قرون تطاولت أعمارهم ، وأنت تخبر الآن عن تلك الأحوال أخبار مشاهدة وعيان بإيحائنا ، معجزة لك . وقيل : تتلو حال ، وقيل : مستأنف ، أي أنت الآن تتلو قصة شعيب ، ولكنا أرسلناك رسولاً ، وأنزلنا عليك كتاباً فيه هذه الأخبار المنسية تتلوها عليهم ، ولولاك ما أخبرتهم بما لم يشاهدوه . .
وقال الفراء : { وَمَا كُنتَ ثَاوِياً } في أيهل مدين مع موسى ، فتراه وتسمع كلامه ، وها أنت { تَتْلُو عَلَيْهِمْ * ءايَاتِنَا } : أي على أمتك ، فهو منقطع . انتهى . قيل : وإذا لم يكن حاضراً في ذلك المكان ، فما معنى : { وَمَا كنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ } ؟ فقال ابن عباس : التقدير : لم تحضر ذلك الموضع ، ولو حضرت ، فما شاهدت تلك الوقائع ، فإنه يجوز أن يكون هناك : ولا يشهد ولا يرى . وقال مقاتل : لم يشهد أهل مدين فيقرأ على أهل مكة خبرهم ، ولكنا أرسلناك إلى أهل مكة ، وأنزلنا إليك هذه الأخبار ، ولولا ذلك ما علمت . وقال الضحاك : يقول إنك يا محمد لم تكن الرسول إلى أهل مدين ، تتلو عليهم آيات الكتاب ، وإنما كان غيرك ، ولكنا كنا مرسلين في كل زمان رسولاً ، فأرسلنا إلى مدين شعيباً ، وأرسلناك إلى العرب لتكون خاتم الأنبياء . انتهى . .
وقال الطبري : { إِذْ نَادَيْنَا } بأن : { خَيْرٌ لّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } . وعن أبي هريرة : أنه نودي من السماء حينئذ يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني ، وغفرت لكم قبل أن تسألوني ، فحينئذ قال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة محمد . فالمعنى : إذ نادينا بأمرك ، وأخبرناك بنبوتك . وقرأ الجمهور : { رَحْمَةً } ، بالنصب ، فقدر : ولكن جعلناك رحمة ، وقدر أعلمناك ونبأناك رحمة . وقرأ عيسى ، وأبو حيوة : بالرفع ، وقدر : ولكن هو رحمة ، أو هو رحمة ، أو أنت رحمة . { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مّن نَّذِيرٍ } : أي في زمن الفترة بينك وبين عيسى ، وهو خمسمائة وخمسون عاماً ونحوه . وجواب { لَوْلاَ } محذوف . والمعنى : لولا أنهم قائلون ، إذ عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي ، هلا أرسلت إلينا رسولاً ؟ لولا أنهم قائلون ، إذ عوقبوا بما قدموا من الشرك والمعاصي ، هلا أرسلت إلينا رسولاً ؟ محتجين بذلك علينا ما أرسلنا إليهم : أي إنما أرسلنا الرسل إزالة لهذا العذر ، كما قال : { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ، أن { تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ } . وتقدير الجواب : ما أرسلنا إليهم الرسل ، هو قول الزجاج . وقال ابن عطية : تقديره : لعاجلناهم بما يستحقونه . والمصيبة : العذاب . ولما كان أكثر الأعمال تزاول بالأيدي ، عبر عن كل عمل باجتراح الأيدي ، حتى أعمال القلوب ، اتساعاً في الكلام ، وتصيير الأقل تابعاً للأكثر ، وتغليب الأكثر على الأقل . والفاء في { فَيَقُولُواْ } للعطف على نصيبهم ، ولولا الثانية للتحضيض . وفنتبع : الفاء فيه جواب للتحضيض . .
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى ، وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه ؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سبباً لإرسال الرسل ، ولكن العقوبة ، لما كانت هي السبب للقول