@ 115 @ فرعون في مخرقته ، ونادى وزيره هامان ، وأمره أن يوقد النار على الطين . قيل : وهو أول من عمل الآجر ، ولم يقل : أطبخ الآخر ، لأنه لم يتقدم لهامان علم بذلك ، ففرعون هو الذي يعلمه ما يصنع . .
{ فَاجْعَل لّى صَرْحاً } : أي ابن لي ، لعل أطلع إلى إله موسى . أوهم قومه أن إله موسى يمكن الوصول إليه والقدرة عليه ، وهو عالم متيقن أن ذلك لا يمكن له ؛ وقومه لغباوتهم وجهلهم وإفراط عمايتهم ، يمكن ذلك عندهم ، ونفس إقليم مصر يقتضي لأهله تصديقهم بالمستحيلات وتأثرهم للموهمات والخيالات ، ولا يشك أنه كان من قوم فرعون من يعتقد أنه مبطل في دعواه ، ولكن يوافقه مخافه سطوه واعتدائه . كما رأيناه يعرض لكثير من العقلاء ، إذا حدث رئيس بحضرته بحديث مستحيل ، يوافقه على ذلك الحديث . ولا يدل الأمر ببناء الصرح على أنه بني ، وقد اختلف في ذلك ، فقيل : بناه ، وذكر من وصفه بما الله أعلم به . وقيل : لم يبن . واطلع في معنى : اطلع ، يقال : طلع إلى الجبل واطلع بمعنى واحد ، أي صعد ، فافتعل فيه بمعنى الفعل المجرد وبغير الحق ، إذ ليس لهم ذلك ، فهم مبطلون في استكبارهم ، حيث ادعى الإلهية ووافقوه على ذلك ؛ والكبرياء في الحقيقة إنما هو الله . وقرأ حمزة ، والكسائي ، ونافع : لا يرجون ، مبنياً للفاعل ؛ والجمهور : مبنياً للمفعول . والأرض هنا أرض مصر . { فَنَبَذْنَاهُمْ فِى الْيَمّ } : كناية عن إدخالهم في البحر حتى غرقوا ، شبهوا بحصيات . قذفها الرامي من يده ، ومنه نبذ النواة ، وقول الشاعر : % ( نظرت إلى عنوانه فنبذته % .
كنبذك نعلاً من نعالك باليا .
) % .
وقوم فرعون وفرعون ، وإن ساروا إلى البحر باختيارهم في طلب بني إسرائيل ، فإن ما ضمهم من القدر السابق ، وإغراقهم في البحر ، هو نبذ الله إياهم . وجعل هنا بمعنى : صبر ، أي صيرناهم أئمة قدوة للكفار يقتدون بهم في ضلالتهم ، كما أن للخير أئمة يقتدى بهم ، اشتهروا بذلك وبقي حديثهم . وقال الزمخشري : وجعلناهم : دعوناهم ، أئمة : دعاة إلى النار ، وقلنا : إنهم أئمة دعاة إلى النار ، وهو من قولك : جعله بخيلاً وفاسقاً إذا دعاه فقال : إنه بخيل وفاسق . ويقول أهل اللغة في تفسير فسقه وبخله : جعله بخيلاً وفاسقاً ، ومنه قوله عز وجل : { وَجَعَلُواْ الْمَلَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَانِ إِنَاثاً } . ومعنى دعوتهم إلى النار : دعوتهم إلى موجباتها من الكفر . انتهى . وإنما فسر جعلناهم بمعنى دعوناهم ، لا بمعنى صيرناهم ، جرياً على مذهبه من الاعتزال ، لأن في تصييرهم أئمة ، خلق ذلك لهم . وعلى مذهب المعتزلة ، لا يجوّزون ذلك من الله ، ولا ينسبونه إليه ، قال : ويجوز خذلناهم حتى كانوا أئمة الكفر ، ومعنى الخذلان : منع الإلطاف ، وإنما يمنعها من علم أنه لا ينفع فيه ، وهو المصمم على الكفر ، الذي لا تغني عنه الآيات والنذر . انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال أيضاً . { لَّعْنَةُ } : أي طرداً وإبعاداً ، وعطف يوم القيامة على : { فِى هَاذِهِ الدُّنْيَا } . { مّنَ الْمَقْبُوحِينَ } ، قال أبو عبيدة : من الهالكين . وقال ابن عباس : من المشوهين الخلقة ، لسواد الوجوه وزرقة العيون . وقيل : من المبعدين . .
ولما ذكر تعالى ما آل إليه فرعون وقومه من غضب الله عليهم وإغراقه ، ذكر ما امتن به على رسوله موسى عليه السلام فقال : { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } ، وهو التوراة ، وهو أول كتاب أنزلت فيه الفرائص والأحكام . { مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاْولَى } : قوم نوح وهود وصالح ولوط ، ويقال : لم تهلك قرية بعد نزول التوراة غير القرية التي مسخ أهلها قردة . وانتصب بصائر على الحال ، أي طرائق هدي يستبصر بها .