@ 94 @ يَوْمَئِذٍ ءامِنُونَ } . قال بعض العلماء : ولم يرد في تعيينهم خبر صحيح ، والكل محتمل . قال القرطبي : خفي عليه حديث أبي هريرة ، وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي ، فيعول عليه في التعيين ، وغيره اجتهاد . وهذا النفخ هو حقيقة ، إما في القرن ، وإما في الصور ، وهو قول الأكثرين . وقيل : يجوز أن يكون تمثيلاً لدعاء الموتى ، فإن خروجهم من قبورهم كخروج الجيش عند سماع الصوت ، فيكون ذلك مجازاً . والأول قول الأكثرين ، وهو الصواب ، لكثرة ورود النفخ في الصور في القرآن وفي الحديث الصحيح . وقيل : ففزع ، ليس من الفزع بمعنى الخوف ، وإنما معناه : أجاب وأسرع إلى البقاء . .
{ وَكُلٌّ أَتَوْهُ } : المضاف إليه كل محذوف تقديره : وكلهم . وقرأ الجمهور : آتوه ، اسم فاعل ؛ وعبد الله ؛ وحمزة ، وحفص : أتوه ، فعلاً ماضياً ، وفي القراءتين روعي معنى كل من الجمع ، وقتادة : أتاه ، فعلاً ماضياً مسنداً الضمير كل على لفظها ، وجمع داخرين على معناها . وقرأ الحسن ، والأعمش : دخرين ، بغير ألف . قيل : ومعنى آتوه : حاضرون الموقف بعد النفخة الثانية ، ويجوز أن يراد رجوعهم إلى أمره وانقيادهم له . { وَتَرَى الْجِبَالَ } : هو من رؤية العين تحسبها حال من فاعل ترى ، أو من الجبال . وجامدة ، من جمد مكانه إذا لم يبرح منه ، وهذه الحال للجبال عقيب النفخ في الصور ، وهي أول أحوال الجبال ، تموج وتسير ، ثم ينسفها الله فتصير كالعهن ، ثم تكون هباء منبثاً في آخر الأمر . { وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ } : جملة حالية ، أي تحسبها في رأي العين ثابتة مقيمة في أماكنها وهي سائرة ، وتشبيه مرورها بمر السحاب . قيل : في كونها تمر مراً حثيثاً ، كما مر السحاب ، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد ، إذا تحركت لا تكاد تبين حركتها ، كما قال النابغة الجعدي في صفة جيش : % ( نار عن مثل الطود تحسب أنهم % .
وقوف لحاج والركاب تهملج .
وقيل : شبه مرورها بمر السحاب في كونها تسير سيراً وسطاً ، كما قال الأعشى : .
.
) % % ( كأن مشيتها من بيت جارتها % .
مر السحابة لا ريث ولا عجل .
.
) % .
وحسبان الرائي الجبال جامدة مع مرورها ، قيل : لهول ذلك اليوم ، فليس له ثبوت ذهن في الفكر في ذلك حتى يتحقق كونها ليست بجامدة . وقال أبو عبد الله الرازي : الوجه في حسبانهم أنها جامدة ، أن الأجسام الكبار إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد في السمت ، ظن الناظر إليها أنها واقفة ، وهي تمر مراً حثيثاً . انتهى . وقيل : وصف تعالى الجبال بصفات مختلفة ، ترجع إلى تفريغ الأرض منها وإبراز ما كانت تواريه . فأول الصفات : ارتجاجها ، ثم صيرورتها كالعهن المنفوش ، ثم كالهباء بأن تتقطع بعد أن كانت كالعهن ، ثم نسفها ، وهي مع الأحوال المتقدمة قارة في مواضعها ، والأرض غير بارزة ، وبالنسف برزت ، ونفسها بإرسال الرياح عليها ، ثم تطييرها بالريح في الهواء كأنها غبار ، ثم كونها سراباً ، فإذا نظرت إلى مواضعها لم تجد فيها منها شيئاً كالسراب . وقال مقاتل : بل تقع على الأرض فتسوى بها . .
وانتصب { صُنْعَ اللَّهِ } على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي تليها ، فالعامل فيه مضمر من لفظه . وقال الزمخشري : { صُنْعَ اللَّهِ } من المصادر المؤكدة كقوله : { وَعَدَ اللَّهُ } و { صِبْغَةَ اللَّهِ } ، إلا أن مؤكده محذوف ، وهو الناصب ليوم ينفخ ، والمعنى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ } ، فكان كيت وكيت ، أثاب الله المحسنين ، وعاقب المجرمين ، ثم قال : { صُنْعَ اللَّهِ } ، يريد به الإثابة والمعاقبة ، وجعل