@ 79 @ تخاصمهم في سورة الأعراف . .
ثم تلطف صالح بقومه ورفق بهم في الخطاب فقال منادياً لهم على جهة التحنن عليهم : { لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيّئَةِ } ، أي بوقوع ما يسوؤكم قبل الحالة الحسنة ، وهي رحمة الله . وكان قد قال لهم في حديث الناقة : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فقالوا له : { ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ } . وقيل : لم تستعجلون بوقوع المعاصي منكم قبل الطاعة ؟ قال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة ؟ وإنما يكون ذلك إذا كانتا متوقعتين إحداهما قبل الأخرى ؟ قلت : كانوا يقولون بجهلهم : إن العقوبة التي يعدنا صالح ، إن وقعت على زعمه ، تبنا حينئذ واستغفرنا ، مقدرين أن التوبة مقبولة في ذلك الوقت ، وإن لم تقع ، فنحن على ما نحن عليه ، فخاطبهم صالح عليه السلام على حسب قولهم واعتقادهم . انتهى . ثم حضهم على ما فيه درء السيئة عنهم ، وهو الإيمان واستغفار الله مما سبق من الكفر ، وناط ذلك يترجى الرحمة ، ولم يجزم بأنه يترتب على استغفارهم . وكان في التحضيض تنبيه على الخطأ منهم في استعجال العقوبة ، وتجهيل لهم في اعتقادهم . .
ولما لاطفهم في الخطاب أغلظوا له وقالوا : { اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } : أي تشاء منا بك وبالذين آمنوا معك . ودل هذا العطف على أن الفريقين كانوا مؤمنين وكافرين لقوله : { وَبِمَن مَّعَكَ } ، وكانوا قد قحطوا . وتقدم الكلام في معنى التطير في سورة الأعراف ، جعلوا سبب قحطهم هو ذات صالح ومن آمن معه ، فرد عليهم بقوله : { طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ } : أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر هو عند الله وبقضائه ، إن شاء رزقكم ، وإن شاء حرمكم . وقال الزمخشري : ويجوز أن يريد عملكم مكتوب عند الله ، فمنه نزل بكم ما نزل عقوبة لكم وفتنة ، ومنه طائركم معكم ، وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه . وقرىء : تطيرنا بك على الأصل ، ومعنى تطير به : تشاءم به ، وتطير منه : نفر عنه . انتهى . ثم انتقل إلى الإخبار عنهم بحالهم فقال : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } ، أي تختبرون ، أو تعذبون ، أو يفتنكم الشيطان بوسوسته إليكم الطيرة ، أو تفتنون بشهواته : أي تشفعون بها ، كما يقال : فتن فلان بفلان . وقال الشاعر : % ( داء قديم في بني آدم % .
فتنة إنسان بإنسان .
) % .
.
وهذه أقوال يحتملها لفظ تفتنون ، وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم ، وهو الكثير في لسان العرب . ويجوز يفتنون بياء الغيبة على مراعاة لفظ قوم ، وهو قليل . تقول العرب : أنت رجل تأمر بالمعروف ، بتاء الخطاب وبياء الغيبة . والمدينة مجتمع ثمود وقريتهم ، وهي الحجر . وذكر المفسرون أسماء التسعة ، وفي بعضها اختلاف ، ورأسهم : قدار بن سالف ، وأسماؤهم لا تنضبط بشكل ولا تتعين ، فلذلك ضربنا صفحاً عن ذكرها ، وكانوا عظماء القرية وأغنياءها وفساقها . والرهط : من الثلاثة إلى العشرة ، والنفر : من الثلاثة إلى التسعة ، واتفق المفسرون على أن المعنى : تسعة رجال . وقال الزمخشري : إنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة ، فكأنه قيل : تسعة أنفس . انتهى . وتقدير غيره : تسعة رجال هو الأولى ، لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تسع أنفس ، على تأنيث النفس ، إذ الفصيح فيها التأنيث . ألا تراهم عدواً من الشذوذ قول الشاعر :