@ 60 @ ههنا ، بهن غير النمل ، والمراد النمل ، أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم ، ولا تكن هنا فأراك . وقال الزمخشري : فإن قلت : لا يحطمنكم ما هو ؟ قلت : يحتمل أن يكون جواباً للأمر ، وأن يكون هنا بدلاً من الأمر ، والذي جوز أن يكون بدلاً منه ، لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم على طريقة لا أرينك ههنا ، أرادت لا يحطمنكم جنود سليمان ، فجاءت بما هو أبلغ ونحوه : عجبت من نفسي ومن إشفاقها . انتهى . وأما تخريجه على أنه أمر ، فلا يكون ذلك إلا على قراءة الأعمش ، إذ هو مجزوم ، مع أنه يحتمل أن يكون استئناف نفي ، وأما مع وجود نون التوكيد ، فإنه لا يجوز ذلك إلا إن كان في الشعر . وإذا لم يجز ذلك في جواب الشرط إلا في الشعر ، فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلا في الشعر . وكونه جواب الأمر متنازع فيه على ما قرر في النحو ، ومثال مجيء نون التوكيد في جواب الشرط ، قول الشاعر : % ( نبتم نبات الخيزرانة في الثرى % .
حديثاً متى يأتك الخير ينفعا .
) % .
.
وقول الآخر : % ( مهما تشا منه فزارة يعطه % .
ومهما تشا منه فزارة يمنعا .
) % .
.
قال سيبويه : وذلك قليل في الشعر ، شبهوه بالنفي حيث كان مجزوماً غير واجب . انتهى . وقد تنبه أبو البقاء لشيء من هذا قال : وقيل هو جواب الأمر ، وهو ضعيف ، لأن جواب الشرط لا يؤكد بالنون في الاختيار . وأما تخريجه على البدل فلا يجوز ، لأن مدلول { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ } مخالف لمدلول { أَدْخِلُواْ } . وأما قوله : لأنه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم ، فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب ، والبدل من صفة الألفاظ . نعم لو كان اللفظ القرآني لا تكونوا حيث أنتم لا يحطمنكم لتخيل فيه البدل ، لأن الأمر بدخول المساكن نهى عن كونهم في ظاهر الأرض . وأما قوله : أنه أراد لا يحطمنكم جنود سليمان إلى آخر ، فيسوغ زيادة الأسماء ، وهو لا يجوز ، بل الظاهر إسناد الحطم إليه وإلى جنوده ، وهو على حذف مضاف ، أي خيل سليمان وجنوده ، أو نحو ذلك مما يصح تقديره . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } : جملة حالية ، أي إن وقع حطم ، فليس ذلك بتعمد منهم ، إنما يقع وهم لا يعلمون بحطمنا ، كقوله : { فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ، وهذا التفات حسن ، أي من عدل سليمان وأتباعه ورحمته ورفقه أن لا يحطم نملة فما فوقها إلا بأن لا يكون لهم شعور بذلك . .
وما أحسن ما أتت به هذه النملة في قولها وأغربه وأفصحه وأجمعه للمعاني ، أدركت فخامة ملك سليمان ، فنادت وأمرت وأنذرت . وذكروا أنه جزى بينها وبين سليمان محاورات ، وأهدت له نبقة ، وأنشدوا أبياتاً في حقارة ما يهدى إلى العظيم ، والاستعذار من ذلك ، ودعاء سليمان للنمل بالبركة ، والله أعلم بصحة ذلك أو افتعاله . والنمل حيوان قوي الحس شمام جداً ، يدخر القوت ، ويشق الحبة قطعتين لئلا تنبت ، والكزبرة بأربع ، لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت ، وتأكل في عامها بعض ما