@ 422 @ حصل في تمثيله بقوله : فيهم ، أو : حيث هم ، فتحصل من هذا الذي قررناه أن قوله تعالى : { لاَّ ذَلُولٌ } في قراءة السلميّ يتخرج على وجهين : أحدهما : أن تكون معترضة ، وذلك على تقدير حذف خبر ، والثاني : أن تكونمعترضة ، وذلك على تقدير أن تكون خبر لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث . وكانت قراءة الجمهور أولى ، لأن الوصف بالمفرد أولى من الوصف بالجملة ، ولأن في قراءة أبي عبد الرحمن ، على أحد تخريجيها ، تكون قد بدأت بالوصف بالجملة وقدّمته على الوصف بالمفرد ، وذلك مخصوص بالضرورة عند بعض أصحبانا ، لأن لا ذلول المنفي معها جملة ومسلمة مفرد ، فقد قدّمت الوصف بالجملة على الوصف بالمفرد ، والمفعول الثاني لتسقي محذوف ، لأن سقي يتعدّى إلى اثنين . وقرأ بعضهم : تسقى بضم التاء من أسقى ، وهما بمعنى واحد . وقد قرىء : نسقيكم بفتح النون وضمها . مسلمة من العيوب ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو العالية ومقاتل ، أو من الشيات والألوان ، قاله مجاهد وابن زيد ، أو من العمل في الحرث والسقي وسائر أنواع الاستعمال ، قاله الحسن وابن قتيبة . والمعنى : أن أهلها أعفوها من ذلك ، كما قال الآخر : % ( أومعبر الظهر ينبي عن وليته % .
ما حجّ ربه في الدنيا ولا اعتمرا .
) % .
أو من الحرام ، لا غصب فيها ولا سرقة ولا غيرهما ، بل هي مطهرة من ذلك ، أو مسلمة القوائم والخلق ، قاله عطاء الخراساني ، أو مسلمة من جميع ما تقدّم ذكره ، لتكون خالية من العيوب ، بريئة من الغصوب ، مكملة الخلق ، شديدة الأسر ، كاملة المعاني ، صالحة لأن تظهر فيها آية الله تعالى ومعجزة رسوله ، قال أبو محمد بن عطية : ومسلمة ، بناء مبالغة من السلامة ، وقاله غيره ، فقال : هي من صيغ المبالغة ، لأن وزنها مفعلة من السلامة ، وليس كما ذكر ، لأن التضعيف الذي في مسلمة ليس لأجل المبالغة ، بل هو تضعيف النقل والتعدية ، يقال : سلم كذا ، ثم إذا عدّيته بالتضعيف ، فالتضعيف هنا كهو في قوله : فرحت زيداً ، إذ أصله : فرح زيد ، وكذلك هذا أصله : سلم زيد ، ثم يضعف فيصير يتعدّى . فليس إذن هنا مبالغة بل هو المرادف للبناء المتعدّي بالهمزة . لاشِية فيها : أي لا بياض ، قاله السدّي ، أو : لا وضح ، وهو الجمع بين لونين من سواد وبياض ، أو لا عيب فيها ، أو : لا لون يخالف لونها من سواد أو بياض ، أو : لا سواد في الوجه والقوائم ، وهو الشية في البقر ، يقال ثور موشى ، إذا كان في وجهه وقوائمه سواد . وقيل : لاشية فيها ، تفسير لقوله : مسلمة ، أي خلصت صفرتها عن أخلاط سائر الألوان ، قاله ابن زيد . قال ابن عطية : والثور الأشيه الذي ظهر بلقه ، يقال : فرس أبلق ، وكبش أخرج ، وتيس أبرق ، وكلب أبقع ، وثور أشيه . كل ذلك بمعنى البلقة . انتهى . وليس الأشيه مأخوذاً من الشية لاختلاف المادّتين . .
{ قَالُواْ الئَانَ جِئْتَ بِالْحَقّ } : قرأ الجمهور : بإسكان اللام والهمزة بعده ، وقرأ نافع : بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام ، وعنه روايتان : إحداهما : حذف واو قالوا ، إذ لم يعتد بنقل الحركة ، إذ هو نقلٌ عارض ، والرواية الأخرى : إقرار الواو اعتداداً بالنقل ، واعتباراً لعارض التحريك ، لأن الواو لم تحذف إلا لأجل سكون اللام بعدها . فإذا ذهب موجب الحذف عادت الواو إلى حالها من الثبوت . وانتصاب الآن على الظرفية ، وهو ظرف يدل على الوقت الحاضر ، وهو قوله لهم : { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ } إلى { لاَّ شِيَةَ فِيهَا } ، والعامل فيه جئت ، ولا يراد بجئت أنه كان غائباً فجاء ، وإنما مجازه نطقت بالحق ، فبالحق متعلق بجئت على هذا المعنى ، أو تكون الباء للتعدية ، فكأنه قال : أجأت الحق ، أي إن الحق كان لم يجئنا فأجأته . وهنا وصف محذوف تقديره بالحق المبين ، أي الواضح الذي لم يبق معه إشكال ، واحتيج إلى تقدير هذا الوصف لأنه في كل محاورة حاورها معهم جاء بالحق ، فلو لم يقدر هذا الوصف لما كان لتقييدهم مجيئه بالحق بهذا الطرف الخاص فائدة . وقد ذهب قتادة إلى أنه لا وصف محذوف هنا ، وقال : كفروا بهذا القول لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم ) ، وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كان لا يأتيهم إلا بالحق في كل وقت ، وقالوا : ومعنى بالحق : بحقيقة نعت البقرة ، وما بقي فيها إشكال . .
{ فَذَبَحُوهَا } : قبل هذه الجملة محذوف ، التقدير : فطلبوها وحصلوها ، أي هذه البقرة الجامعة للأوصاف السابقة ، وتحصيلها كان بأن الله أنزلها من السماء ، أو بأنها كانت وحشية فأخذوها ، أو باشترائها من الشاب البارّ بأبويه . وهذا