@ 54 @ الزجاج أن تكون { أَن بُورِكَ } في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله ، وهو على إسقاط الخافض ، أي نودي بأن بورك ، كما تقول : نودي بالرخص . ويجوز أن تكون أن الثنائية ، أو المخففة من الثقيلة ، فيكون بورك دعاء . وقيل : المفعول الذي لم يسم فاعله هو ضمير النداء ، أي نودي هو ، أي النداء ، ثم فسر بما بعده . وبورك معناه : قدّس وطهر وزيد خيره ، ويقال : باركك الله ، وبارك فيك ، وبارك عليك ، وبارك لك . وقال الشاعر : % ( فبوركت مولوداً وبوركت ناشئا % .
وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب .
وقال آخر : .
.
) % .
بورك الميت الغريب كما .
بورك نبع الرمان والزيتون .
) % .
.
وقال عبد الله بن الزبير : % ( فبورك في بنيك وفي بنيهم % .
إذا ذكروا ونحن لك الفداء .
) % .
.
و { مِنْ } : المشهور أنها لمن يعلم ، فقال ابن عباس ، وابن جبير ، والحسن وغيرهم : أراد تعالى بمن في النار ذاته ، وعبر بعضهم بعبارات شنيعة مردودة بالنسبة إلى الله تعالى . وإذا ثبت ذلك عن ابن عباس ومن ذكر أول على حذف ، أي بورك من قدرته وسلطانه في النار . وقيل لموسى عليه السلام : أي بورك من في المكان أو الجهة التي لاح له فيه النار . وقال السدّي : من للملائكة الموكلين بها . وقيل : من تقع هنا على ما لا يعقل . فقال ابن عباس : أراد النور . وقيل : الشجرة التي تتقد فيها النار . وقيل : والظاهر في { وَمَنْ حَوْلَهَا } أنه لمن يعلم تفسير { حَدِيثُ مُوسَى } ، وفسر بالملائكة ، ويدل عليه قراءة أبي ؛ فيما نقل أبو عمرو الداني : وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ؛ ومن حولها من الملائكة ، وتحمل هذه القراءة على التفسير ، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه ، وفسر أيضاً بموسى والملائكة عليهم السلام معاً . وقيل : تكون لما لا يعقل ، وفسر بالأمكنة التي حول النار ؛ وجدير أن يبارك من فيها ومن حواليها إذا حدث أمر عظيم ، وهو تكليم الله لموسى عليه السلام ؛ وتنبيئه وبدؤه بالنداء بالبركة تبشير لموسى وتأنيس له ومقدمة لمناجاته . .
والظاهر أن قوله : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } داخل تحت قوله : { نُودِىَ } . أي لما نودي ببركة من ذكر ، نودي أيضاً بما يدل على التنزيه والبراءة من صفات المحدثين مما عسى أن يخطر ببال ، ولا سيما إن حمل من في النار على تفسير ابن عباس أن من أريد به الله تعالى ، فإن ذلك دال على التحيز ، فأتى بما يقتضي التنزيه . وقال السدّي : هو من كلام موسى ، لما سمع النداء قال : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } تنزيهاً لله تعالى عن سمات المحدثين . وقال ابن شجرة : هو من كلام الله ، ومعناه : وبورك من سبح الله ، وهذا بعيد من دلالة اللفظ . وقيل : { وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } خطاب لمحمد عليه لصلاة والسلام ، وهو اعتراض بين الكلامين ، والمقصود به التنزيه . .
ولما آنسه تعالى ، ناداه وأقبل عليه