@ 457 @ لهم أن يصيبهم ما أصاب الأمم السابقة من هلاك الاستئصال لما كذبوا رسلهم ، فناسب أن ذكر أولاً من نزل عليه كتابه جملة واحدة ومع ذلك كفروا وكذبوا به فكذلك هؤلاء لو نزل عليه القرآن دفعة لكذبوا وكفروا كما كذب قوم موسى . .
و { الْكِتَابِ } هنا التوراة و { هَارُونَ } بدل أو عطف بيان ، واحتمل أن يكون معه المفعول الثاني لجعلنا . وأن يكون { وَزِيراً } والوزارة لا تنافي النبوة فقد كان في الزمان الواحد أنبياء يوازر بعضهم بعضاً ، والمذهوب إليهم القبط وفرعون . وفي الكلام حذف أي فذهبا وأديا الرسالة فكذبوهما { فَدَمَّرْنَاهُمْ } والتدمير أشد الإهلاك وأصله كسر الشيء على وجه لا يمكن إصلاحه . وقصة موسة ومن أرسل إليه ذكرت منتهية في غير ما موضع وهنا اختصرت فأوجز بذكر أولها وآخرها لأنه بذلك يلزم الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم . .
وقرأ عليّ والحسن ومسلمة بن محارب : فدمراهم على الأمر لموسى وهارون ، وعن عليّ أيضاً : إلاّ أنه مؤكد بالنون الشديدة . وعنه أيضاً فدمرا أمراً لهما بهم بباء الجر ، ومعنى الأمر كوناً سبب تدميرهم . .
وانتصب { وَقَوْمَ نُوحٍ } على الاشتغال وكان النصب أرجح لتق / م الجمل الفعلية قبل ذلك ، ويكون { لَّمّاً } في هذا الإعراب ظرفاً على مذهب الفارسي . وأما إن كانت حرف وجوب لوجوب فالظاهر أن { أَغْرَقْنَاهُمْ } جواب لما فلا يفسر ناصباً لقوم فيكون معطوفاً على المفعول في { فَدَمَّرْنَاهُمْ } أو منصوباً على مضمر تقديره اذكر . وقد جوز الوجوه الثلاثة الحوفي . .
{ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرُّسُلَ } كذبوا نوحاً ومن قبله أو جعل تكذيبهم لنوح تكذيباً للجميع ، أو لم يروا بعثه الرسل كالبراهمة والظاهر عطف { وَعَاداً } على و { قَوْمٌ } . وقال أبو إسحاق : يكون معطوفاً على الهاء والميم في { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ ءايَةً } . قال : ويجوز أن يكون معطوفاً على { الْظَّالِمِينَ } لأن التأويل وعدنا الظالمين بالعذاب ووعدنا { عَاداً * وَثَمُودَاْ * وِقْراً * عَبْدُ اللَّهِ * بَلْدَةً مَّيْتاً كَذالِكَ الْخُرُوجُ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسّ } . قال ابن عباس : هم قوم ثمود ويبعده عطفه على ثمود لأن العطف يقتضي التغاير . وقال قتادة : أهل قرية من اليمامة يقال ها الرس والفلج . قيل : قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود وقوم صالح . وقال كعب ومقاتل والسدي بئر بإنطاكية الشام قتل فيها صاحب ياسين وهو حبيب النجار . وقيل : قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيه . .
وقال وهب الكلبي { أَصْحَابُ * الرَّسّ } وأصحاب الأيكة قومان أرسل إليهما شعيب أرسل إلى أصحاب الرس وكانوا قوماً من عبدة الأصنام وأصحاب آبار ومواش ، فدعاهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه فبينما هم حول الرس وهي البئر غير المطوية . وعن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبدارهم . وقال عليّ فيما نقله الثعلبي : قوم عبدوا شجرة صنوبر يقال لها شاه درخت رسوا نبيهم في بئر حفروه له في حديث طويل . وقيل : هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهي أعظم ما يكون من الطير ، سميت بذلك لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فج وهي تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا . وقيل : الرس هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود . وقال ابن عباس : الرس بئر أذربيجان . وقيل : الرس ما بين نجران إلى اليمن ألى حضرموت . وقيل : قوم بعث الله إليهم أنبياء فقتلوهم ورسوا عظامهم في بئر . وقيل : قوم بعث إليهم نبي فأكلوه . وقيل : قوم نساؤهم سواحق . وقيل : الرس ماء ونخل لبني أسد . وقيل : الرس نهر من بلاد المشرق بعث الله إليهم نبياً من إولاد يهوذا ابن يعقوب فكذبوه فلبث فيهم زماناً فشكا إلى الله منهم فحفروا له بئراً وأرسلوه فيها ، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا فكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، فدعا بتعجيل قبض روحه فمات وأضلتهم سحابة سوداء أذابتهم كما يذوب الرصاص . .
وروى عكرمة ومحمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم ) ( أن أهل الرس أخذوا نبيهم فرسّوه في بئر وأطبقوا عليه صخرة فكان عبد أسود آمن به يجيء بطعام إلى تلك البئر فيعينه الله على تلك الصخرة فيقلها فيعطيه ما يغذيه به . ثم يرد الصخة ، إلى أن ضرب الله يوماً على أذن ذلك الأسود بالنوم أربع عشرة سنة وأخرج أهل القرية نبيهم فآمنوا به ) . في حديث طويل . قال الطبري : فيمكن أنهم كفروا بعد ذلك فذكرهم الله في هذه الآية وكثر الاختلاف في أصحاب الرس ، فلو صح ما نقله عكرمة ومحمد بن كعب كان هو القول الذي لا يمكن خلافه