@ 443 @ وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من { هَاذَا } و { هَاذَا } استفهام يصحبه استهزاء أي { مَّالِ * هَاذَا } الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل كما قال { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاْسْوَاقِ } أي حاله كحالنا أي كان يجب أن يكون مستغنياً عن الأكل والتعيش ، ثم قالوا : وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش . ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير . وقرىء فتكون بالرفع حكاه أبو معاذ عطفاً على { أَنَزلَ } لأن { أَنَزلَ } في موضع رفع وهو ماض وقع موقع المضارع ، أي هلا ينزل إليه ملك أو هو جواب التحضيض على إضمار هو ، أي فهو يكون . وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التحضيض . وقوله { أَوْ يُلْقَى } { أَوْ } يكون عطف على { أَنَزلَ } أي لو لا ينزل فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين ، ولا يجوز النصب في { أَوْ يُلْقَى } ولا في { أَوْ تَكُونَ } عطفاً على { فَيَكُونُ } لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله { لَوْ * لا * أَنَزلَ } . وقرأ قتادة والأعمش : أو يكون بالياء من تحت . وقرأ { يَأْكُلُ } بياء الغيبة أي الرسول ، وزيد بن عليّ وحمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش بنون الجمع أي يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم . .
{ وَقَالَ الظَّالِمُونَ } أي للمؤمنين . قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه انتهى . وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيباً سائغاً بل التركيب العربي أن يقول : وأرادهم بأعيانهم بالظالمين { مَّسْحُورًا } غلب على عقله السحر وهذا أظهر ، أو ذا سحر وهو الرئة ، أو يسحر بالطعام وبالشراب أي يُغذي ، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه . وقيل { مَّسْحُورًا } ساحراً عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك . وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل : والقائلون ذلك النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم . .
{ انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الاْمْثَالَ } أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك وغير ذلك فبقوا متحيرين ضلالاً لا يجدون قولاً يستقرون عليه ، أي فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقاً له . وقيل : { ضَرَبُواْ لَكَ الاْمْثَالَ } بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره { فُضّلُواْ } أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال . وقيل { فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً } إلى حجة وبرهان على ما يقولون ، فمرة يقولون هو بليغ فصيح يتقول القرآن من نفسه ويفتريه ومرة مجنون ومرة ساحر ومرة مسحور . وقال ابن عباس : شبه لك هؤلاء المشركون الأشباه بقولهم هو مسحور فضلوا بذلك عن قصد السبيل ، فلا يجدون طريقاً إلى الحق الذي بعثك به . وقال مجاهد : لا يجدون مخرجاً يخرجهم عن الأمثال التي { ضَرَبُواْ لَكَ } . ومعناه أنهم { ضَرَبُواْ لَكَ } هذه ليتوصلوا بها إلى تكذيبك { فُضّلُواْ } عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا . .
وقال بو عبد الله الرازي ؛ { انْظُرْ كَيْفَ } اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك ، لم يجدوا إلى القدح سبيلاً إذا لطعن عليه إنما يكون فيما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول . وقال الفراء : لا يستطيعون في أمرك حيلة . وقال السدي { سَبِيلاً } إلى الطعن . .
ولما قال المشركون ما قالوا قيل : فيما يروى إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك أحد قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئاً ، وإن شئت جمعناه لك في الآخرة فقال : يجمع لي ذلك في الآخرة فنزل { تَبَارَكَ الَّذِى } . وعن ابن عباس عنه عليه السلام قال : عرض على جبريل عليه السلام بطحاء مكة ذهباً فقلت : بل شبعة وثلاث جوعات ، وذلك أكثر لذكري ومسألتي . قال الزمخشري في { تَبَارَكَ } أي تكاثر خيراً { الَّذِى إِن شَاء } وهب لك في الدنيا { خَيْرًا } مما قالوا وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور انتهى . والإشارة بذلك الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الجنة والكنز في الدنيا قاله مجاهد . ويبعد تأويل ابن عباس أنه إشاة إلى أكله الطعام