@ 412 @ الثانية . وقال ابن عطية : يصح أن تكون { مِنْ } لبيان الجنس ، ويصح أن تكون لابتداء الغاية انتهى . ولم يتقدم مبهم فتكون { مِنْ } لبيان الجنس على أن الصحيح أن من ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس . { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } أي من الزنا ومن التكشف . ودخلت { مِنْ } في قوله { مِنْ أَبْصَارِهِمْ } دون الفرج دلالة على أن أمر النظر أوسع ، ألا ترى أن الزوجة ينظر زوجها إلى محاسنها من الشعر والصدور والعضد والساق والقدم ، وكذلك الجارية المستعرضة وينظر من الأجنبية إلى وجهها وكفيها وأما أمر الفرج فمضيق . وعن أبي العالية وابن زيد : كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ هذا فهو من الاستتار ، ولا يتعين ما قاله بل حفظ الفرج يشمل النوعين . { ذالِكَ } أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر لهم { إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } من إحالة النظر وانكشاف العورات ، فيجازي على ذلك . وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر لا يكاد يقدر على الاختزاز منه ، وهو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته . وقال بعض الأدباء : % ( وما الحب إلا نظرة إثر نظرة % .
تزيد نمواً إن تزده لجاجاً .
) % .
ثم ذكر تعالى حكم المؤمنات في تساويهنّ مع الرجال في الغض من الأبصار وفي الحفظ للفروج . ثم قال { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ } واستثنى ما ظهر من الزينة ، والزينة ما تتزين به المرأة من حليّ أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهراً منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب ، وما خفى منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لمن استثنى . وذكر الزينة دون مواضعها مبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الحسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الساق والعضد والعنق والرأس والصدر والآذان ، فنهى عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر لا يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل النظر إليها غير ملابسة لها ، وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجديدّاً من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خاصة الفقيرات منهنّ وهذا معنى قوله { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يعني إلاّ ما جرت العادة والجبلة على ظهوره ، والأصل فيه الظهور وسومح في الزينة الخفيفة . أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من النفر عن مماسة القرائب ، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك . وقال ابن مسعود { مَا ظَهَرَ مِنْهَا } هو الثياب ، ونص على ذلك أحمد قال : الزينة الظاهرة الثياب ، وقال تعالى { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ } وفسرت الزينة بالثياب . وقال ابن عباس : الكحل والخاتم . وقال الحسن في جماعة : الوجه والكفان . وقال ابن جريج : الوجه والكحل والخاتم والخضاب والسوار . وقال الحسن أيضاً : الخاتم والسور . وقال ابن عباس : الكحل والخاتم فقط . وقال المسور بن مخرمة : هما والسوار . وقال الحسن أيضاً : الخاتم والسوار . وقال ابن بحر : الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله وعلى ما يتزين به من فضل لباس ، فنها هنّ الله عن إبداءً ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن اخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطراف على غير التلذذ . وأنكر بعضهم إطلاق الزينة على الخلقة والأقرب دخوله في الزينة وأي زينة أحسن من خلق العضو في غاية الاعتدال والحسن . .
وفي قوله { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } دليل على أن الزينة ما يعم الخلقة وغيرها ، منعهنّ من إظهار محاسن خلقهنّ فأوجب سترها بالخمار . وقد يقال لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورها عادة وعبادة في الصلاة والحج حسن أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما ، وفي السنن لأبي داود أنه عليه السلام قال : ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا : وأشار إلى وجهه وكفيه . وقال ابن خويز منداد : إذا كانت جميلة وخيف من وجهها