@ 409 @ نقل من أن موسى أمره الله بصوم يوم الجمعة ، وعرّفه فضله ، كما أمر به سائر الأنبياء ، فذكر ذلك لبني إسرائيل ، وأمرهم بالتشرّع فيه ، فأبوه وتعدّوه إلى يوم السبت ، فأوحى الله إلى موسى : أن دعهم وما اختاروه . وامتحنهم فيه ، بأن أمرهم بترك العمل ، وحرّم عليهم فيه صيد الحيتان . فكانت تأتي يوم السبت حتى تخرج إلى الأفنية ، قاله الحسن بن أبي الحسن ، وقيل : حتى تخرج خراطيمها من الماء ، وكان أمر بني إسرائيل بأيلة على البحر ، فإذا ذهب السبت ذهبت الحيتان ، فلم يظهروا للسبت الآخر . فبقوا على ذلك زماناً حتى اشتهوا الحوت ، فعمد رجل يوم السبت ، فربط حوتاً بخزمة ، وضرب له وتداً بالساحل . فلما ذهب السبت ، جاء فأخذه فسمع قوم بفعله ، فصنعوا مثل ما صنع ، وقيل : بل حفر رجل في غير السبت حفيراً يخرج إليه البحر ، فإذا كان يوم السبت ، خرج الحوت وحصل في الحفيرة ، فإذا جزر البحر ، ذهب الماء من طريق الحفيرة وبقي الحوت ، فجاء بعد السبت فأخذه . ففعل قوم مثل فعله . وكثر ذلك ، حتى صادوه يوم السبت علانية وباعوه في الأسواق . فكان هذا من أعظم الاعتداء . وقد رويت زيادات في كيفية الاعتداء ، الله أعلم بصحة ذلك . والذي يصح في ذلك هو ما ذكره الله في كتابه ، وما صح عن نبيه . .
منكم : في موضع الحال ، فيتعلق بمحذوف تقديره : كاثنين منكم ، ومن : للتبعيض . في السبت : متعلق باعتدوا ، إما على إضمار يوم ، أو حكم . والحامل على الاعتداء قيل : الشيطان وسوس لهم وقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت ، ولم تنهوا عن حبسها ، فأطاعوه ، ففعلوا ذلك . وقيل : لما فعل ذلك بعضهم ، ولم يعجل له عقوبة ، وتشبه به أناس منهم ، وفعلوا لفعله ، ظنوا أن السبت قد أبيح لهم ، فتمالأ على ذلك جمع كبير ، فأصابهم ما أصابهم . وقيل : أقدموا على ذلك متأولين ، لأنه أمرهم بترك العمل يوم السبت ، وقالوا : إنما نهانا الله عن أسباب الاكتساب التي تشغلنا عن العبادة ، ولم ينهنا عن العمل اليسير . وقيل : فعل ذلك أوباشهم تحرياً وعصياناً ، فعم الله الجميع بالعذاب . .
{ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ } : أمر من الكون وليس بأمر حقيقة ، لأن صيرورتهم إلى ما ذكر ليس فيه تكسب لهم ، لأنهم ليسوا قادرين على قلب أعيانهم قردة ، بل المراد منه سرعة الكون على هذا الوصف ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } ، ومجازه : أنه لما أراد منهم ذلك صاروا كذلك . وظاهر القرآن مسخهم قردة . وقيل : لم يمسخوا قردة ، وإنما هو مثل ضربه الله لهم ، كما قال تعالى : { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } ، قاله مجاهد . وقيل : مسخت قلوبهم حتى صارت كقلوب القردة ، لا تقبل وعظاً ولا تعي زجراً ، وهو محكي عن مجاهد أيضاً . والقول الأول هو قول الجمهور ، ويجوز أن يبقي الله لهم فهم الإنسانية بعد صيرورتهم قردة : وروي في بعض قصصهم : أن الواحد منهم كان يأتيه الشخص من أقاربه الذين نهوهم فيقول له : ألم أنهك ؟ فيقول له برأسه : بلى ، وتسيل دموعه على خده ، ولم يعرض في هذا المسخ شيء منهم خنازير . وروي عن قتادة : أن الشباب صاروا قردة ، واليوخ صاروا خنازير ، وما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . وروي في قصصهم : أن الله تعالى مسخ العاصين قردة بالليل ، فأصبح الناجون إلى مساجدهم ومجتمعاتهم ، فلم يروا أحداً من الهالكين ، فقالوا : إن للناس لشأناً ، ففتحوا عليهم الأبواب ، كما كانت مغلقة بالليل ، فوجدوهم قردة يعرفون الرجل والمرأة . وقيل : إن الناجين قد قسموا بينهم وبين العاصين القرية بجدار تبرياً منهم ، فأصبحوا ولم تفتح مدينة الهالكين ، فتسوروا عليهم الجدار ، فإذا هم قردة يثب بعضهم على بعض . قال قتادة : وصاروا قردة تعاوي ، لها أذناب ، بعدما كانوا رجالاً ونساء . .
{ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } : كلاهما خبر كان ، والمعنى : أنهم يكونون قد جمعوا بين القردة والخسوء . ويجوز أن يكون خاسئين صفة لقردة ، ويجوز أن يكون حالاً من اسم كونوا . ومعنى خاسئين : مبعدين . وقال أبو روق : خاسرين ، كأنه فسر باللازم ، لأن من أبعده الله فقد خسر . وجمهور المفسرين : على أن الذين مسخهم الله لم يأكلوا ، ولم يشربوا ، ولم ينسلوا ، بل ماتوا جميعاً ، وأنهم لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام . وزعم مقاتل أنهم عاشوا سبعة أيام ، وماتوا في اليوم الثامن ،